السؤال
في بداية البعثة النبوية، جاءنا الرسول عليه السلام بالدين الاسلامي، رافضاً كل الآلهة والأصنام التي كانت موجودة في ذلك الوقت، والتي ستأتي لاحقاً، وبعد فرض فريضة الحج كان هناك الطواف، وكان هناك تقبيل الحجر الأسود، وكان هناك رمي الجمار.
فالسؤال: لماذا كل هذا؟ وما الفرق بين (تقبيل الحجر الأسود والطواف) و (الشعائر التي كان يفعلها الأعراب عند حجهم إلى البيت العتيق)؟ علماً بأنهم كانوا يفعلون ذلك زلفى "أي تقرباً إلى الله".
أستغفر الله العظيم إن حدت قليلًا عن الدين، وأرجوكم أن تعطوني الجواب الشافي، لأنني في حيرة من أمري.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد جاء الإسلام رافضاً كل الآلهة والأصنام التي تعبد من دون الله ومثبتاً الإلهية لله وحده، وهذا مضمون قولنا: لا إله إلا الله - أي لا معبود بحق إلا الله.
وحقيقة العبودية تدور حول الامتثال والانقياد لأمر المعبود، وهذا ما دل عليه كل من اللغة والشرع، فالعرب تقول: طريق معبد أي مذلل خاضع، والشرع أمر بإسلام الوجه لله، وقبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مع التسليم وانتفاء الحرج، قال تعالى: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [ البقرة: 112]، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ الحشر: 7]، وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [ الأحزاب: 36]، وقال: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ النساء: 65].
فمن رضي بالعبودية لله لم يكن له أن يتقدم بين يدي الله سبحانه برأي أو ذوق أو معقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1].
ودين الجاهلية مشتمل على ضلالتين في هذا الباب: عبادة غير الله، وابتداع دين لم يأذن به الله.
وقد كان المشركون يؤمنون بالله، ويدينون له ببعض العبادات مما ورثوه من دين إبراهيم عليه السلام، لكنهم زادوا فيها ونقصوا، وحرفوا وبدلوا، إضافة إلى شركهم وعبادتهم غير الله.
وقد كان المشركون يحجون لله، طوافاً، وسعياً، ونحراً، وحلقاً، ووقوفاً بمزدلفة وعرفة، إلا أن قريشاً ابتدعت ترك الوقوف بعرفة، كما ابتدع الجميع تلبيتهم المشتملة على الشرك، وذلك قولهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك.
والحج فريضة الله عز وجل على عباده من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن غيرهم من الأمم، فقد حج إبراهيم وإسماعيل وموسى، وقبلهم نوح عليهم السلام، وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام يحج البيت بعد نزوله آخر الزمان.
فلا حرج في وجود هذه الموافقة بين ما يفعله المسلمون في حجهم، وبين أكثر ما كان يفعله المشركون في حجهم، لأنه مما أخذوه عن إبراهيم عليه السلام.
ومن الحكمة في مشروعية تقبيل الحجر والطواف والرمي ابتلاء العباد، وإظهار العبودية، ليعلم المسلم أن ليس له اختيار مع أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فالذي حرم عبادة الأحجار والأشجار والأوثان، وحرم التقرب إليه بغير ما شرع الله، هو الذي أمر بالطواف حول بيته، وشرع تقبيل الحجر، ورمي الجمار، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك [رواه البخاري].
فاحذر أن تعترض على شيء مما شرع الله، أو أن يكون في نفسك حرج وضيق من ذلك.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.