السؤال
هل هذا القول صحيح -منقول بتصرف-:
أن النمص في لسان العرب: أخذ شعر الوجهِ، وشعور الوجه عشرون.
وأن تفسيرُ النمص بأنه أخذ شعر الحاجب فحسب، هو رأي ضعيف مهجور.
وأن النص هنا غير صريح، ولا يُتصور أن يجري على ظاهره، بل لا بد من تأويله، يستحيل أن يلعن النبي صلى الله عليه، وآله وسلم، من تأخذ شعر وجهها.
أما اللحية والشارب ونحوها، فبقاؤها مثلةٌ في حقها، فيستحبُّ لها أخذُها.
وأما الحاجب فلا فرق بينه وبين بقية شعور الوجه، بل ثم جامع بينهما.
فإن قيل: بل هناك فرق، وهو أن شعر الحاجب نابت الأصل، بخلاف باقي شعر الوجه.
قلنا: هذا فرق نعم، وليس كل فرق يقدح في الإلحاق، فهو فرقٌ طردي.
وأن أكثر علماء الإسلام -مع روايتهم للحديث، وشرحهم له في مدونات السنة- يقولون بجواز النمص بشرطه.
فالرأي بجواز النمص بشرطه رأي جمهور الفقهاء، رأي الحنفية في معتمد مذهبهم، ورأي المالكية في معتمد مذهبهم، ورأي أصحابنا الشافعية في المعتمد، ورأي بعض الحنابلة كابن الجوزي، والحنابلة في معتمدهم، يجيزون الحلق والقص، ويحرمون النتف.
أما المعاصرون فاخترعوا قولًا جديدًا لا تقول به المذاهب الأربعة.
حتى نص النووي لا يوافقونه، فقولهم لا سلفَ له من أقوال ثمانية مشهورة في المسألة، وقالوا بقول تاسع، وهو حرمته في الحاجب دون غيره.
وجمهور علماء الإسلام على جواز النمص بشرطه، فالحنفية على جوازه ما لم تتبرج به لأجنبي، والمالكية على جوازه إلا لممنوعة من زينة كمعتدة وفاة، والشافعية على جوازه بإذن الزوج لمتزوجة، وبغير تدليس على خاطب لخلية، والحنابلة على جواز القص والحلق والقص، وحرمة النتف، وابن الجوزي من الحنابلة على جوازه ما لم تتشبه بالفاجرات. انتهى.
ما رأيكم في ذلك؟ وهل تحددون لنا ما الفعل الملعون المقصود في هذا الحديث؟ وما هي ضوابط الأخذ من الحاجب إن كان جائزًا: ما مقداره وكيفيته؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أن مسائل الخلاف المعتبر، ينبغي أن يلتزم المناظر فيها، والمقرر لها، بأدب الخلاف! فهي لا تعدو حدود الترجيح، وليس فيها حق محض، ينكر على مخالفه.
وأما بالنسبة للكلام المنقول في السؤال ففيه جهتان:
ـ الأولى: الترجيح والاختيار، وهذا لا يعنينا تحرير الكلام فيه، طالما لم يخرج الخلاف عن الأقوال المعتبرة لأهل العلم، وإن كنا نختار أو نرجح خلافه، ويمكنك أن تقفي على ما رجحناه في الفتوى رقم: 136339. وما أحيل عليه فيها.
ـ والجهة الثانية: هي إنكار صاحب المقال على قول معتبر من أقوال أهل العلم، ونسبته ذلك للمعاصرين!!! حيث يقول: "أما المعاصرون فاخترعوا قولًا جديدًا لا تقول به المذاهب الأربعة، حتى نص النووي لا يوافقونه، فقولهم لا سلفَ له من أقوال ثمانية مشهورة في المسألة، وقالوا بقول تاسع، وهو حرمته في الحاجب دون غيره. اهـ.
وهذه مغالطة مرفوضة! فإن تخصيص حرمة النمص بالحاجب، ليس قولا شاذا ولا حادثا اخترعه بعض المعاصرين !!!
فقد فسر الإمام أبو داود (المتوفى سنة 275) النمص بعد روايته للحديث في سننه، فقال: والنامصة: التي تنقش الحاجب، حتى ترقه. اهـ.
وسبقه إلى ذلك عبد الملك بن حبيب (وهو من فقهاء المالكية الكبار، توفي سنة 238هـ) فقال في كتابه (أدب النساء ص: 224): النامصة هي: التي تنتف شعر الحواجب. اهـ.
وكتابه هذا من أول ما أُلف في الأحكام الخاصة بالنساء. ووافقه في ذلك علاء الدين ابن العطار -وهو من فقهاء الشافعية، توفي سنة 724- في كتابه أحكام النساء، فقال: النامصة: التي تأخذ من حاجبٍ شعرة لا غيرها، وترققه لتصير حسناء. اهـ.
وقال ابن نجيم الحنفي في (البحر الرائق): النامصة هي: التي تنقص الحاجب لتزينه. اهـ.
وقال النفراوي المالكي في (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني): التنميص هو نتف شعر الحاجب، حتى يصير دقيقا حسنا ... اهـ.
وكذا قال الآبي الأزهري في (الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني).
وقال زروق في شرحه على متن الرسالة: النامصة: التي ترقق الحاجب بحف، أو نتف. اهـ.
وقال العدوي في حاشيته على كفاية الطالب الرباني: هي التي تنتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا... فالنامصة هي التي تنتف الحاجب حتى ترقه، كذا قال أبو داود ..
وما ذكرناه من تفسير النامصة عن أبي داود، وقد قال بعض شراح المصنف: وفسرها عياض ومن وافقه، بأنها التي تنتف الشعر من الوجه. والأول يقتضي جواز نتف شعر ما عدا الحاجبين من الوجه، وتفسير عياض يقتضي خلاف ذلك. اهـ.
فانظر كيف ذكر القولين دون إنكار لأحدهما.
والمقصود أن تخصيص النمص بالحاجبين ليس بالقول الحادث المعاصر المخترع! بغض النظر عن الترجيح في المسألة.
وقد جاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية): اتفق الفقهاء على أن نتف شعر الحاجبين داخل في نمص الوجه المنهي عنه، بقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله النامصات، والمتنمصات. أخرجه مسلم ... وذهب جمهور الفقهاء إلى أن نتف ما عدا الحاجبين من شعر الوجه داخل أيضا في النمص، وذهب المالكية في المعتمد، وأبو داود السجستاني، وبعض علماء المذاهب الثلاثة الأخرى، إلى أنه غير داخل. اهـ.
وهذا واضح وكاف.
والله أعلم.