السؤال
إذا استمع الإنسان إلى مطربة كانت قد استهزأت بالله (لا أعلم إن كانت تمزح فقط أو تقصد ما تقول) وهي أصلا مطربة غير مسلمة، لكن دعنا نقول في أسوء الحالات أنها تقصد ما تقول, فهل الاستماع إلي أغانيها يجعلني كافرا؟ والسؤال الثاني متى يكفر المسلم أو ما الذي قد يفعله المسلم ليؤدي به إلى الكفر؟ وآخر شيء انصحوني في موضوع وساوس الكفر التي تهاجمني.
وشكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد السماع لأغاني الكافرة لا يجعلك كافرا، ولكنه يحرم الاستماع لما فيه استهزاء بالله، فقد أمرنا الله تعالى بالإعراض عن سماع الكفر والاستهزاء بالدين، فقال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام:68}.
قال الطبري: خوضهم فيها كان استهزاءَهم بها وسبَّهم من أنزلها وتكلم بها وتكذيبهم بها. اهـ.
ونهانا الله تعالى عن القعود في مثل هذه المجالس فقال: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء:140}.
قال الطبري: أنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال مثلُهم في فعلهم، لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آياتِ الله يكفر بها ويستهزأ بها، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله، فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتَوْه منها، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية الله، وإتيانكم ما نهاكم الله عنه. اهـ.
فالمثلية في هذه الآية ليس لتسوية المستمع للكفر بالمتكلم به من كل وجه، وإنما هي المماثلة في كونهما جميعا خالفا أمر الله وركبا معصيته.
وعلى ذلك فليس مجرد سماع مثل هذه الأغاني المذكورة في السؤال كفرا مخرجا من الملة يعد صاحبه مرتدا، إلا إن كان المستمع مقرا بما يسمع معتقدا إياه أو راضيا به.
ويحرم الاستماع للمعازف كما قال ابن تيمية ـ رحمه الله: مذهب الأئمة الأربعة: أن آلات اللهو كلها حرام، فقد ثبت في صحيح البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف، وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير.
والمعازف: هي الملاهي كما ذكر ذلك أهل اللغة، جمع معزفة، وهي الآلة التي يعزف بها: أي يصوت بها.
ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا، ولكن تكلموا في الغناء المجرد عن آلات اللهو: هل هو حرام؟ أو مكروه؟ أو مباح؟ وذكر أصحاب أحمد لهم في ذلك ثلاثة أقوال. وذكروا عن الشافعي قولين. ولم يذكروا عن أبي حنيفة ومالك في ذلك نزاعا.
وذكر زكريا بن يحيى الساجي ـ وهو أحد الأئمة المتقدمين المائلين إلى مذهب الشافعي: أنه لم يخالف في ذلك من الفقهاء المتقدمين إلا إبراهيم بن سعد ـ من أهل البصرة. انتهى بتصرف.
وأما عن الكفر فإنه لا يكفر إلا من يعتقد اعتقادا مكفرا، أو من يقول أو يفعل مكفرًا، مع كونه عالمًا بكون هذا الاعتقاد أو القول أو الفعل من أعمال الكفر، وكذلك حال كونه عامدًا، وأما الغافل أو الناسي أو المخطئ فإن الله سبحانه يتجاوز عنهم.
وننصحك بالإعراض عن الوساوس وصرف النفس عنها وشغلها بالتعلم والدعوة إلى الله تعالى.
والله أعلم.