السؤال
إخواني الكرام، أعزكم الله بعلمه الذي لا يعطيه إلا لعباده الصالحين، جعلنا الله وإياكم منهم، وأعانكم على ما تتحملونه من جهد كبير في الرد على من مثلي من السائلين.
إخواني حتى لا أطيل عليكم، أنا شاب أبلغ من العمر 30 سنة، كنت بلا عمل حتى رزقني الله بمال، ففكرت أن أقيم به مشروعًا حلالًا يكفيني الله به عن الحرام أنا وأسرتي، ففكرت في كل ما أستطيع عمله بهذا المبلغ، حتى استقر الأمر على مشروع مقهى إنترنت، وهو الشيء الوحيد الذي أستطيع عمله بهذا المبلغ، ولعلمي القوي بمجال الكمبيوتر، فتوكلت على الله بعد استخارته، وقمت بعمله، فواجهتني في بداية عمله مشاكل عظام، منها: أن أغلب المقاهي المحيطة بي لا تلتزم بما هو واجب؛ فهم يبيحون الأغاني والأفلام، ونحن نعلم ما في الأفلام والمسلسلات! فتوكلت على الله ومنعتهم تمامًا من عندي، وفصلت الأصوات حتى أمنع الموسيقى المصاحبة للألعاب، والحمد لله رزقني الله خيرًا ممن عندهم هذه الأشياء، لكن قابلتني مشكلة لم أعلم بها من قبل، وهي أن هناك خلافًا على الصور النسائية الكرتونية الموجودة بالألعاب في مثل لعبة "جاتا" مثلًا، فاستعنت بالله، وعرفت طريقة حذفت بها كل الشخصيات الشبه عارية بها، ولكن ظهرت لعبة أخرى تدعى "كروس فاير" فهي لعبة في غاية الإبهار، فهي لعبة قتالية حربية، تنزل فيها فرق قتالية، وهؤلاء معهم أسلحة، هي باختصار لعبة تضاهي الحقيقة في مثل هذه المواقف، فهي تعلم اللاعب كيفية التصرف في مثل هذه المواقف، وتنمية مهاراته الفكرية، وسرعة الاستجابة والانتباه، وهذه اللعبة جذبت إليها قطاعًا كبيرًا عندي، فتقريبًا أكثر من الثلثين يلعبونها عندي، ولكن عيبها الوحيد أن بها شخصيات نسائية بملابس فوق الركبة ومفتوحة من عند الصدر -مثلًا-، ولكن هي كرتونية، وعلى ما أرى فهي لا تمثل لهم شيئًا في اللعبة، وهم ينكرون ملابسها من باب أنه ليس مثلنا، ولكن أنتم تعلمون أن صانعيها في الغالب غير مسلمين، ومثل هذه الملابس مباحة عندهم، فما حكم هذه اللعبة؟ وللعلم هي الأساس عندي في المقهى، ولقد علمت أن بعض المفتين قال: إذا كانت الصورة الكرتونية فاتنة فهي حرام. وكيف لي أنا أن أعلم أن هذا اللاعب مفتون بها من عدمه! مع العلم أن الظاهر لي أنها لا تفتنهم.
وهل لي أن آخذ بحكم أن غالبها حلال؟ فهى حلال لأن العري تابع للعبة، ولم تصنع اللعبة لأجله، وأنتم تعلمون لو أراد اللاعبين شيئًا عاريًا فليس هذا الاختيار الأمثل، وللعلم أيضًا العري في اللعبة لا يتعدى 10 في المائة، والله أعلم إن كان أكثر أو أقل؛ لأني لا أستطيع قياسه؛ ففي بعض الأحيان تكون بلا شخصيات نسائية تمامًا، كله يرجع بحسب الشخصيات الموجودة أثناء اللعب، والشيء الآخر: اللعبة حربية سريعة الحركة، فليس هناك وقت حتى للنظر، وإلا قتل وخسر في اللعبة، فما حكم المال المكتسب على هذا النحو؟
وجزاكم الله خيرًا، ويعلم الله أني أحبكم فيه.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يغنيك من فضلك، وأن يرزقك الرزق الحلال المبارك.
وأما عن حكم اللعب باللعبة التي بها صور كرتونية شبه عارية -تظهر الصدر والفخذين-: فإن القول بعدم جواز اللعب بها ليس ببعيد -حتى وإن كان ظهور هذه الصور في اللعبة ليس بدائم-؛ لأن النظر إلى مثل هذه الصور قد يكون فيه فتنة، وإثارة للغرائز، وترسيخ لمثل هذه المناظر في نفوس اللاعبين، كما سبق في الفتوى رقم: 221602، والفتوى رقم: 63389.
فننصحك بمنع رواد المقهى من اللعب بهذه الألعاب، أو إغلاق المقهى إن لم تتمكن من منعها، فهذا أسلم وأحوط لك، حذرًا من الوقوع في الحرام، فمن الأمور المقررة في الشرع: أن الإعانة على معصية الله محرمة، لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}. قال ابن تيمية: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثمًا؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها. وأكثر هؤلاء كالعاصر، والحامل، والساقي، إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالًا محرمًا؛ كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة. اهـ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: مما يدور عنه الحديث الآن عن مقاهي الإنترنت التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وبأعداد كبيرة، ما حكم الاستثمار والتجارة في هذه المقاهي، مع وجود بعض المضار والمحرمات؟
فأجابت: إذا كانت هذه الأجهزة يتم لمستخدمها التوصل إلى أمور منكرة باطلة، تضر بالعقيدة الإسلامية، أو يتم من خلالها الاطلاع على الصور الفاتنة، والأفلام الماجنة، والأخبار الساقطة، أو حصول المحادثات المريبة، أو الألعاب المحرمة، ولا يمكن لصاحب المحل أن يمنع هذه المنكرات، ولا أن يضبط تلك الأجهزة -فإنه والحال ما ذكر يحرم الاتجار بها؛ لأن ذلك من الإعانة على الإثم والمحرمات، والله -جل وعلا- قال في كتابه العزيز: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. اهـ.
وأما عن المال المكتسب من ذلك: فإذا قيل إن اللعبة محرمة، فما اكتسب من الإعانة عليها فالظاهر أنه محرم؛ لأنه مقابل عمل محرم، قال ابن عثيمين: فكل عين محرمة، وكل منفعة محرمة، فإن عوضها محرم بهذه القاعدة التي أسسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه). اهـ.
وثِقْ ثقة تامة أنك إن تركت هذا الأمر ابتغاء رضوان لله فسيعوضك الله خيرًا لك منه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله -عز وجل- إلا أعطاك الله خيرًا منه. أخرجه أحمد، وصححه الألباني.
والله أعلم.