السؤال
ما معنى هذه الكتابة المسجلة لما كان ويكون، المحيطة بأحوال الذرَّة والمجرَّة المحصية لسقوط ورقة من شجرة إلى جنب إحصائها لأبعاد الكون الكبيرة؟
بعضهم يقول: إن ذلك إشارة إلى القوانين الدقيقة التي تحكم نظام العالم، وتجعل كل حركاته وسكناته تتم وفق دستور مكتوب وقانون صارم، لا يلحقه خلل ولا يشينه قصور، وعلم الناس محدود بهذا الكتاب، فهل هذا المعنى للكتابة صحيح؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الكتابة المعنية ليست إشارة إلى القوانين الدقيقة التي تحكم نظام العالم!! بل هي كتابة حقيقة بقلم في لوح، والإيمان بذلك مرتبة من مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، وهي: الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قال الدكتور عمر الأشقر في (القضاء والقدر): دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة..."، وفي سنن الترمذي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان، وما هو كائن إلى الأبد"، واللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير الخلائق سماه القرآن بالكتاب، وبالكتاب المبين، وبالإمام المبين وبأم الكتاب، والكتاب المسطور. قال تعالى: (بل هو قرءان مجيد. في لوح محفوظ) [البروج: 21-22] . وقال: (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب) [الحج: 70] وقال: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) [يسن: 12] . وقال: (والطور. وكتاب مسطور. في رق منشور) [الطور: 1-3] . وقال: (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم) [الزخرف: 4] اهـ.
وقال العلامة الشيخ ابن عثيمين في (رسالة في القضاء والقدر): المرتبة الثانية: الكتابة وهي أن الله تبارك وتعالى كتب عنده في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، وقد جمع الله تعالى بين هاتين المرتبتين ـ يعني العلم والكتابة ـ في قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70] فبدأ سبحانه بالعلم وقال: {إن ذلك في كتاب} أي إنه مكتوب في اللوح المحفوظ، كما جاء به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ..."، ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما نعمله أشيء مستقبل أم شيء قد قضي وفرغ منه؟ قال: "إنه قد قضي وفرغ منه"، وقال أيضا حين سئل: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب الأول؟ قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له". فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل... اهـ.
وأما نواميس الكون وقوانينه وقواعد سيره، فهي من جملة المكتوب في اللوح المحفوظ، قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {الأنعام:59}، قال البغوي: يعني: أن الكل مكتوب في اللوح المحفوظ. اهـ.
وقال سبحانه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحج:70}، قال ابن كثير: يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه، وأنه محيط بما في السموات وما في الأرض، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها، وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء». اهـ.
والله أعلم.