السؤال
قبل عدة سنوات كنت أعاني من وسواس شديد في الصلاة، وخصوصًا في التشهد الأول، وفي عدد الركعات، وكنت أقضي معظم الوقت بين كل صلاة وصلاة في التفكير والوسوسة، هل صليت ثلاثًا أم أربعًا؟ وهل جلست للتشهد الأول أم لا؟ ويغلبني الشيطان في بعض المرات فأعيد الصلاة مرتين، ولكي أتخلص من هذه الوساوس بدأت في كل صلاة يوسوس لي فيها الشيطان، أو أشعر أنه سيوسوس لي فيها بعمل حركة تكون دليلًا، فمثلًا: إذا جلست للتشهد أو غيره أخلع ساعتي، وأضعها على الأرض، وقصدي من هذا العمل أنه عندما يوسوس لي الشيطان في الصلاة بأنني لم أجلس للتشهد الأول أعلم أنني جلست وخلعت الساعة حينها، أو أخرج المفاتيح من جيبي، وأضعها على الأرض عند انتهائي من التشهد الأول، وألتقطها وأضعها في جيبي من جديد عند قيامي للركعة الرابعة، وفي بعض الصلوات أتقدم خطوة أو خطوتين إلى الأمام، مع المحافظة على اتجاه القبلة، كنت وما زلت أعلم القدر من الحركة الذي تفسد به الصلاة، ولا أعتقد أن القدر الذي كنت أقوم به يفسد الصلاة، فهل فسدت صلاتي من وجه آخر لا أعلمه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجميع ما ذكرته هو من العمل اليسير الذي لا تبطل به الصلاة، ومثل هذا العمل اليسير يكره لغير الحاجة، ويباح للحاجة، فما دمت فعلته لحاجة، فليس مكروهًا في حقك أيضًا، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: وَلَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ فِي الصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ؟ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ، أَنَّهَا اسْتَفْتَحَتْ الْبَابَ، فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فَتَحَ لَهَا، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا رَأَى الْعَقْرَبَ خَطَا إلَيْهَا، وَأَخَذَ النَّعْلَ، وَقَتَلَهَا، وَرَدَّ النَّعْلَ إلَى مَوْضِعِهَا، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَظَرَ إلَى رِيشَةٍ فَحَسِبَهَا عَقْرَبًا، فَضَرَبَهَا بِنَعْلِهِ، وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الْتَحَفَ بِإِزَارِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا بَأْسَ إنْ سَقَطَ رِدَاءُ الرَّجُلِ أَنْ يَرْفَعَهُ، وَإِنْ انْحَلَّ إزَارُهُ أَنْ يَشُدَّهُ، وَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ تُصَلِّي اخْتَمَرَتْ، وَبَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا، وَقَالَ: منْ فَعَلَ كَفِعْلِ أَبِي بَرْزَةَ حِينَ مَشَى إلَى الدَّابَّةِ، وَقَدْ أَفْلَتَتْ مِنْهُ، فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُشَرِّعُ، فَمَا فَعَلَهُ، أَوْ أَمَرَ بِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا مَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى مِنْبَرِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمِنْبَرِ كَذَلِكَ، حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، قَالَ: ثُمَّ تَأَخَّرَ، وَتَأَخَّرَتْ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إلَى النِّسَاءِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى قَامَ فِي مَقَامِهِ ـ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا، فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَجِيءُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَكَانَ كُلَّمَا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَيَرْفَعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ رَفْعًا رَفِيقًا حَتَّى يَضَعَهُ بِالْأَرْضِ ـ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزُلْ يُدَارِئُ الْبَهْمَةَ حَتَّى لَصِقَ بِالْجُدُرِ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بِالْأَمْرِ بِدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، وَمُقَاتَلَتِهِ إذَا أَبَى الرُّجُوعَ، فَكُلُّ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يُبْطِلُهَا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، كُرِهَ، وَلَا يُبْطِلُهَا أَيْضًا. انتهى.
وإنما نقلناه بطوله لتطمئن نفسًا، وتهدأ بالًا، وتوقن أنه لا يلزمك قضاء شيء من الصلوات التي أتيت فيها بالأفعال المذكورة، وما في معناها.
والله أعلم.