السؤال
ما حكم ما يفعله بعض المصريين داخل مصر، ومنهم من هرب خارج مصر ويدير أعمال العنف والتخريب في مصر وتساعده دولة عربية لتدمير مصر ولإظهار أن المشروع الإسلامي فاشل والعمل على إفشاله ـ فحسبنا الله ونعم الوكيل؟ وهل هذا من الإفساد في الأرض؟ وهل يجوز الدعاء عليهم بالهلاك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى ما في الإفساد والتخريب من الإثم، وما في التعدي على حرمة الدماء والأموال والأعراض من الجرم والظلم، وقد قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ {البقرة: 204ـ 205}.
وقد نهى الله تعالى عن طاعة أمثال هؤلاء واتباع سبيلهم، فقال سبحانه: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ {القلم: 10ـ 12}.
قال السعدي: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ ـ الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة والكفارات والزكوات وغير ذلك ـ مُعْتَدٍ ـ على الخلق في ظلمهم، في الدماء والأموال والأعراض: أَثِيمٍ ـ أي: كثير الإثم والذنوب المتعلقة في حق الله تعالى. اهـ.
ولا ريب في أن أعمال التخريب والتعدي والظلم من الإفساد في الأرض، وهي من سمة أهل الشقاق والنفاق، كما قال الله تعالى في حق المنافقين: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ {البقرة: 11}.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير وهو يعدد مراتب إفساد المنافقين: الثالث: إفسادهم بالأفعال التي ينشأ عنها فساد المجتمع، كإلقاء النميمة والعداوة وتسعير الفتن، وتأليب الأحزاب على المسلمين، وإحداث العقبات في طريق المصلحين. والإفساد فعل ما به الفساد، والهمزة فيه للجعل أي جعل الأشياء فاسدة في الأرض، والفساد أصله استحالة منفعة الشيء النافع إلى مضرة به أو بغيره، وقد يطلق على وجود الشيء مشتملا على مضرة، وإن لم يكن فيه نفع من قبل، يقال: فسد الشيء بعد أن كان صالحا، ويقال: فاسد إذا وجد فاسدا من أول وهلة، وكذلك يقال: أفسد إذا عمد إلى شيء صالح فأزال صلاحه ويقال: أفسد إذا أوجد فسادا من أول الأمر، والأظهر أن الفساد موضوع للقدر المشترك من المعنيين وليس من الوضع المشترك، فليس إطلاقه عليهما كما هنا من قبيل استعمال المشترك في معنييه، فالإفساد في الأرض منه تصيير الأشياء الصالحة مضرة، كالغش في الأطعمة، ومنه إزالة الأشياء النافعة كالحرق والقتل للبراء، ومنه إفساد الأنظمة كالفتن والجور، ومنه إفساد المساعي كتكثير الجهل وتعليم الدعارة وتحسين الكفر ومناوأة الصالحين المصلحين، ولعل المنافقين قد أخذوا من ضروب الإفساد بالجميع، فلذلك حذف متعلق تفسدوا تأكيدا للعموم المستفاد من وقوع في حيز النفي، وذكر المحل الذي أفسدوا ما يحتوي عليه ـ وهو الأرض ـ لتفظيع فسادهم بأنه مبثوث في هذه الأرض، لأن وقوعه في رقعة منها تشويه لمجموعها، والمراد بالأرض هذه الكرة الأرضية بما تحتوي عليه من الأشياء القابلة للإفساد من الناس والحيوان والنبات وسائر الأنظمة والنواميس التي وضعها الله تعالى لها، ونظيره قوله تعالى: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد {البقرة: 200}. انتهى.
ويعظم خطر الإفساد في الأرض إذا وقع بعد حصول شيء من الإصلاح، ولذلك قال الله عز وجل: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا { الأعراف: 56}.
قال ابن كثير: ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض، وما أضره بعد الإصلاح! فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد، ثم وقع الإفساد بعد ذلك، كان أضر ما يكون على العباد، فنهى الله تعالى عن ذلك. اهـ.
وللفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 206971.
وأما الدعاء على نوعهم من غير تعيين: فلا حرج فيه، والأفضل أن يكون بصيغة جامعة، كما كان عمر بن عبد العزيز يقول: اللهم أصلح من كان في صلاحه صلاح لأمة محمد، اللهم أهلك من كان في هلاكه صلاح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء.
وراجع الفتوى رقم: 175877.
والله أعلم.