السؤال
ما حكم اصطحاب الصغار إلى المساجد في بلاد الغرب، حيث إن المسجد في ديار الكفر المؤسسة شبه الوحيدة التي يمكن فيها تربية الأولاد وتنشئتهم على المشاركة في الشعائر التي تؤدى في المساجد، وحيث إن المساجد هي الإسلام، فإذا خرجت من المسجد لا آذان يسمع في الخارج ولا صوت يخرج من المسجد كأداء الصلوات وخطب الجمعة والأعياد، وكذلك ما يجده الصغار في مدراس الغرب مما يخالف شريعتنا، فهل علينا أن نغض الطرف في سبيل ذلك على بعض الشروط التي ربما اشترطها الفقهاء في المسألة من ما يصدر من أطفال من إزعاج غيره؟ فما رأيكم في ذلك؟ وما صحة حديث: جنبوا صبيانكم المساجد؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما الحديث المذكور فأخرجه ابن ماجه من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، وله طرق أخرى عند البيهقي والطبراني وغيرهما، وكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة. وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم بالحديث منهم ابن الجوزي والحافظ ابن حجر العسقلاني والشيخ الألباني وآخرون.
وإذا علمت هذا فقد دلت أحاديث كثيرة على جواز إدخال الصبيان إلى المساجد، فمنها تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم لسماعه بكاء الصبي لئلا يشق على أمه، ومنها حمله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب وهو يصلي وغير ذلك من الوقائع كثير، قال العيني ضمن سياق فوائد حديث أبي قتادة في قصة حمل أمامة: وأن ثياب الأطفال وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها، وأن دخولهم المساجد جائز. انتهى.
ولا شك في أن في اصطحاب الصغار إلى المساجد مصالح تربوية عظيمة، وبخاصة في بلاد كبلاد الغرب التي يعلم حالها من حيث انعدام التربية الإسلامية في جميع مؤسساتها إلا خلف جدران المساجد، قال الشيخ العثيمين رحمه الله: الذي أرى أن إحضار الأطفال ولو كانوا دون سن السابعة إذا كان لا يحصل منهم أذية فإنه لا بأس به، لأن في ذلك تعريفاً لهم وتعويداً لهم على حضور المساجد وربما يكون في ذلك سرور لهم إذا حضروا مع الناس ورأوا المصلين. انتهى.
ومع هذا فإن للمساجد حرمتها التي لا بد من مراعاتها، وللمصلين حال اشتغالهم بالصلاة حقاً في عدم إزعاجهم والتشويش عليهم، ومن ههنا نقول إذا كان الأطفال مميزين فإنهم يعلمون آداب المسجد ويؤمرون بالتزامها ويشجعون على ذلك بإثابة المستجيب منهم بالمكافآت ونحو ذلك.. ويرفق بمن يخالف منهم فإن أصر على عدم احترام المسجد يرفع أمره لوليه ليقوم بتأديبه، وأما من كانوا دون التمييز فإن أمكن أن يكونوا مع ذويهم بحيث لا يشوشون على المصلين وأمن تلويثهم للمسجد وتقذيرهم له فلا حرج في حضورهم، وإن لم يمكن دفع تشويشهم وأذيتهم للمصلين فإنهم يمنعون من دخول المسجد في أوقات الصلاة والخطبة لأن المفسدة الحاصلة من دخولهم المسجد والحال هذه أعظم من المصلحة، والأصل أن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ومع هذا فعلى أوليائهم أن يتعاهدوهم بالتربية الحسنة، وتجنيبهم ما يلوث أفكارهم ويشوه عقائدهم حتى يميزوا ويصيروا أهلاً لدخول المساجد، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: إذا كان الطفل مميزاً شرع إحضاره إلى المسجد ليعتاد الصلاة مع جماعة المسلمين، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع. أما ما يروى في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم. فهو غير صحيح. أما إذا كان الطفل غير مميز فالأفضل ألا يحضر إلى المسجد لأنه لا يعقل الصلاة ولا معنى الجماعة، ولما قد يسببه من الأذى للمصلين. انتهى.
والله أعلم.