السؤال
اختلف العلماء فيما إذا حج العبد ثم عتق فهل عليه أن يعيد الحج أم أن حجه قد وقع صحيحا؟ وإذا كان عليه أن يعيد الحج فلماذا وهو عاقل بالغ ولا يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد عتقه ولا الصيام ولا غيرها من الطاعات فلماذا يعيد الحج؟ نرجو الإفادة.
اختلف العلماء فيما إذا حج العبد ثم عتق فهل عليه أن يعيد الحج أم أن حجه قد وقع صحيحا؟ وإذا كان عليه أن يعيد الحج فلماذا وهو عاقل بالغ ولا يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد عتقه ولا الصيام ولا غيرها من الطاعات فلماذا يعيد الحج؟ نرجو الإفادة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرته من خلاف العلماء في إجزاء الحج عن العبد إذا حج قبل أن يعتق صحيح، غير أن هذا الخلاف خلاف ضعيف فإن جماهيرهم على عدم الإجزاء، وحكاه ابن المنذر وابن عبد البر إجماعا، وشذذوا القول الآخر.
قال النووي في شرح المهذب: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم إلا من شذ منهم ممن لا يعتد بخلافه خلافا أن الصبي إذا حج ثم بلغ والعبد إذا حج ثم عتق أن عليهما بعد ذلك حجة الاسلام إن استطاعا. انتهى.
وممن ذهب إلى وجوب الحج على العبد وصحته منه وإجزائه عنه أبو محمد ابن حزم رحمه الله.
قال في محلاه: وَأَمَّا حَجُّ الْعَبْدِ, وَالأَمَةِ, فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ, وَمَالِكًا, وَالشَّافِعِيَّ قَالُوا: لاَ حَجَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَجَّ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ. وقال أحمد بْنِ حَنْبَلٍ: إذَا عَتَقَ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُ تِلْكَ الْحَجَّةُ; وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَلَيْهِ الْحَجُّ كَالْحُرِّ, وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا، عَنْ جَابِرٍ, وَابْنِ عُمَرَ قَالَ أَحَدُهُمَا: مَا مِنْ مُسْلِمٍ, وَقَالَ الآخَرُ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلاَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ; فَقَطَعَاً وَعَمَّا وَلَمْ يَخُصَّا إنْسِيًّا مِنْ جِنِّيٍّ, وَلاَ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ, وَلاَ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ, وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا تَخْصِيصَ الْحُرِّ, وَالْحُرَّةِ; فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمَا. انتهى.
ثم أطال أبو محمد في المناقشة والاستدلال. والصواب في المسألة قول الجمهور، وأن العبد إذا حج صح حجه ولم يجزئه عن حجة الإسلام، وأن الحج غير واجب عليه حال الرق، وذلك لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى. رواه أحمد والبيهقي والحاكم وصححه، وصحح ابن خزيمة وقفه، وممن صححه مرفوعا ابن حزم نفسه لكنه ادعى أنه منسوخ وليس كما ادعى، ومال إلى تصحيحه مرفوعا الحافظ في التلخيص وصححه الألباني.
وإذا تبين هذا فوجه وجوب الحج عليه إذا عتق أنه كان غير مكلف بالحج في حال الرق كالصبي، وهذا بخلاف الصوم والصلاة فإنها واجبة عليه حال رقه فلم تلزمه إعادتها إذا عتق، وهذا الفرق بين واضح.
وقد ناقش الشيخ العثيمين في شرحه الممتع هذه المسألة وذكر وجه كلا القولين فقال رحمه الله: قوله: «فإن زال الرق» ، أفاد ـ رحمه الله ـ أن الرقيق يصح منه الحج، إذاً الحرية شرط للوجوب، فلو حج الرقيق فإن حجه صحيح، ولكن هل يجزئ عن الفرض أو لا يجزئ؟ الجواب: في هذا خلاف بين العلماء: فقال جمهور العلماء: إنه لا يجزئ؛ لأن الرقيق ليس أهلاً للوجوب، فهو كالصغير، ولو حج الصغير قبل البلوغ لم يجزئه عن حجة الإسلام فكذلك الرقيق. وذهب بعض العلماء إلى أن الرقيق يصح منه الحج بإذن سيده؛ لأن إسقاط الحج عن الرقيق من أجل أنه لا يجد مالاً، ومن أجل حق السيد، فإذا أعطاه سيده المال وأذن له، فإنه مكلف بالغ عاقل فيجزئ عنه الحج. وليس عندي ترجيح في الموضوع؛ لأن التعليل بأنه ليس أهلاً للحج تعليل قوي، والتعليل بأنه إنما منع من أجل حق السيد قوي أيضاً؛ فالأصل أنه من أهل العبادات. وهناك حديث في الموضوع: «أن من حج، ثم عتق فعليه حجة أخرى، وأن من حج وهو صغير ثم بلغ فعليه حجة أخرى.لكنه مختلف في صحته والاحتجاج به، وإلا لو صح الحديث مرفوعاً إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم لكان هو الفيصل، وكثير من المحدثين قال: إنه موقوف. انتهى.
فإذا تبين هذا وتبين أن الحديث صحيح مرفوعا عند كثير من المحدثين، وظهر الفرق من جهة النظر بين الحج وغيره من العبادات الوارد ذكرها في السؤال ظهر الفرق بوضوح.
قال في حاشية الروض: ولا يجبان على القن وفاقًا، لأن مدتهما تطول، فلم يجبا عليه، لما فيه من إبطال حق السيد، والمشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم شرعًا، ولأنه لا مال له، وكذا مكاتب، ومدبر، وأم ولد، ومعتق بعضه وفاقًا، وحكاه ابن الهمام إجماعًا، وإن فعلا انعقد وفاقًا، لحديث ابن عباس: أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيًا، فقالت: ألهذا حج؟ قال «نعم، ولك أجر» رواه مسلم، ولأن العبد من أهل العبادة، فصحا منه كالحر، ولا يجزئ عن حجة الإسلام وعمرته بعد زوال المانع، وعليهما الحج والعمرة بعد البلوغ والعتق، لقول ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى». رواه أحمد، والشافعي والبيهقي، وغيرهم، والحاكم وصححه، ولأنهم فعلوا قبل وجوبه، فلم يجزئهم إذا صاروا من أهله، حكاه ابن عبد البر وغيره إجماعًا، وهو قول عامة أهل العلم إلا شذوذًا. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني