علاج إدمان الحاسوب في الاستطاعة {فاتقوا الله ما استطعتم}
2009-01-17 12:00:47 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 21 سنة، أدرس في بلد عربي بعيداً عن أهلي، أواجه بعض المشاكل النفسية، وهي أني أجلس على الحاسوب يومياً، وبعض الأيام أجلس 16 ساعة عليه.
وسبب ذلك أني أعيش وحدي، وهذا أدى إلى تراجع مستواي التحصيلي بالجامعة ومشاكل جسدية ونفسية كثيرة، مثل عدم التركيز، وضعف النظر، وهالات سوداء حول العينين، وحتى إنني أصبحت أحب الانعزال مع نفسي، وأكره التواجد مع الآخرين، أنا شاب مثقف وواعي جداً وأعرف أني أفعل أشياء كثيرة غلط، ولكنني أفعلها من باب (كل محرم مرغوب) أريد حلاً لهذه المشاكل، أعلم أن كل ما أريده هو الإرادة وهي شبه معدومة؛ فبالإرادة يقدر الإنسان فعل كل شيء.
أرجو مساعدتي وتشجيعي قليلاً لمعاودة كسب ثقتي بنفسي.
شكراً للاستماع Hope that i hear from we soon
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Zezoo .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.
قد طرحت مشكلتك بكل وضوح وطرحت المشكلة وأنت مدرك للحل، ولكن أوضحت لنا بصورة جلية أنه ليس لديك استعداد للأخذ بالحلول.
الإنسان يجب أن يدرك إدراكاً تاماً ما دام هو في كامل عقله وفي كامل وعيه ومستبصراً ومرتبطاً بالواقع وحكمه على الأمور صحيح، ففي هذه الحالة لا يوجد أي حل إلا أن يغير الإنسان نفسه بنفسه مسترشداً بذلك بالآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
ومن الناحية الإرشادية نذكرك بأمر هام وهو ضرورة أن تستشعر حجم مشكلتك بصورة واضحة واقعية وفيها مكاشفة ومفاتحة مع النفس، بعض الناس يذكر لك مشكلته ويعقبها بأني لا أستطيع أن أتغير.
مفهوم (لا أستطيع) أتى من أنه لم يُدرك الخطر الحقيقي الذي هو فيه؛ لأن الإنسان حين يرى نفسه في موضع الخطر أو شيئاً يهدد وجوده أو كيانه أو نجاحه سوف يبتعد عن هذا الموقف ويتجنبه ويسعى لحماية نفسه.
والشخص الذي لا يدرك المخاطر التي هو فيها بالطبع لن يسعى لحماية نفسه لأنه لم يستبصر حجم المخاطر، هذا مبدأ سلوكي ومبدأ معرفي أرى أنه الحل مما تعاني من مشكلة.
فإذًا المطلوب أولاً: هو أن تقدر فعلاً أنك تضيع وقتاً ثميناً وتجلس على الإنترنت أو على الكمبيوتر لست عشرة ساعة، يعني أنك تقضي ثلثي وقتك وربما عمرك في أمر تعرف مساوئه وخطورته، وهنا يجب أن تبحث عن طوق النجاة، وطوق النجاة لحسن الحظ سهل جدّاً وهو أن تبتعد عن الحاسوب، لا أقول لك ابتعاداً كاملاً ولكن يجب ألا تقضي أكثر من ساعة إلى ساعتين، ونعرف الآن أن هنالك ظاهرة ما يسمى بـ (إدمان الحاسوب) وهي في نظرنا علة سلوكية مرضية يمكن أن تعالج.
وما ذكرته من أعراض نفسية مثل عدم التركيز وكذلك أعراض جسدية مثل ضعف النظر وهالات سوداء حول العينين، كلها ناتجة من إدمانك لاستعمال الحاسوب، وقد وجد الآن أنه توجد مواد في داخل الدماغ تفرز حين يجلس الإنسان لساعات طويلة، وهذه المواد تؤدي إلى الاستمرارية والتمادي، وهذا يعتبر نوعا من التحفيز الداخلي.
إذًا وصلنا لحقيقة أنك إذا أدمنت على استعمال الحاسوب، وهذا أؤكد لك أن علاجه ليس بالصعب وأن تقرر مع نفسك أن تتوقف عن استعمال الحاسوب لكل هذه الساعات.
البعض يقول: يمكن أن تلجأ لأسلوب التدرج، وهو بما أنك تستعمل الحاسوب لست عشرة ساعة في اليوم اجعلها أربع عشرة ساعة، ثم بعد يومين اثنتي عشرة ساعة، ثم بعد أربعة أيام عشر ساعات، ثم ثمان ساعات ثم ست ساعات -وهكذا-.
البعض يقول: إن هذا منهج يمكن أن ينتهجه الإنسان، ولكني أرى أنك يمكن من الآن أن تتخذ القرار وهذا هو الضروري، والقرار لن تتخذه إلا إذا استشعرت بكل جدية أنه لديك مشكلة حقيقية ولكنها مشكلة ليست بالصعبة.
وأرجو أن تعلم أن كل أعراضك الجسدية وما ذكرته من عدم التركيز وضعف في النظر، هذه سوف تختفي تماماً بعد أن تفك أسرك من السجن الذي وضعت نفسك فيه وهو قضاؤك هذه الساعات الطويلة مع الحاسوب.
الانطواء والانعزال هو سمة من سمات الإدمان على الحاسوب؛ لأنه أخذ أسبقية في حياتك، ولذا جعلك تبتعد عن الأسبقيات الأخرى والواجبات الأخرى.
يمكنك أن تدخل مرة أخرى على المجتمع وبصورة صحيحة وبصورة نشطة جدّاً وذلك بتوزيع وقتك، بأن تقضي وقتاً معيناً في التواصل مع الناس، وقتاً معينا للدراسة، ويجب أن تستشعر أهمية الدراسة، وخصص وقتاً للرياضة فهي ضرورية جدّاً ومهمة جدّاً لتحسين التركيز.
ولعلاج ما يمكن أن نسميه بالآثار الانسحابية البسيطة التي سوف تنتهج عن التوقف أو تقليل الساعات التي تقضيها على الحاسوب.
صلِّ صلواتك الخمس في المسجد، هذا يساعدك كثيراً بجانب أنك قد أديت فريضة هي عماد الدين وأديتها بالصورة الصحيحة - إن شاء الله تعالى – سوف تلتقي بالآخرين من الطيبين والخيرين، وهذا يتيح لك فرصة تبادل الأفكار وتتجاذب أطراف الحديث معهم. هذا نوع من الوسائل الجيدة لتطوير المهارات الاجتماعية والخروج عن هذه الانعزالية.
نقول لك: إنه -بفضل الله تعالى- أنك شاب مثقف ولديك الوعي ولديك المعرفة، وهذه أشياء إيجابية جدّاً ومشجعة جدّاً نرى أنها سوف تساهم في تغيير حالتك، ولكن تأكد أنك أنت الذي تستطيع أن تغير نفسك وليس أي شخص آخر.
نصيحتي لك هي أن تبني علاقات اجتماعية مع أشخاص فعّالين حتى تتخذهم قدوة وحتى تجد التشجيع والمؤازرة والمساندة منهم؛ لأن ذلك سوف يدعم السلوك الإيجابي لديك، والسلوك الإيجابي نعني اهتمامك بدراستك وأن يكون لك حضورك في كل المواقف التي تتطلب أن تكون لك موقفاً فيها كشاب يبلغ من العمر واحدا وعشرين عاماً.
يجب أن تزيل من تفكيرك ومن قاموسك المعرفي – إذا جاز التعبير – كلمة (لا أستطيع، ليس لي إرادة، ليس لي ثقة في نفسي)، هذه مسميات قبيحة جدّاً يطلقها بعض الناس على أنفسهم، وهذا نسميه بتحقير الذات وعدم تقدير الذات بصورة صحيحة، وهذا يؤدي إلى التراخي وإلى التسويف وإلى مساومة النفس وإلى التبرير الخاطئ. أرجو ألا تستعمل هذه الدفاعات النفسية الخاطئة والمضرة جدّاً.
لا تقل: (لا أستطيع) بل أنت تستطيع، ولا تقل: (ليس لي إرادة) بل أنت لديك إرادة، فما الذي يمنعك، هؤلاء الآخرون أفضل منك؟! لا .. لا تقل: (ليس لي ثقة في نفسي)، ما هي الثقة في النفس؟ هي أمر نسبي جدّاً، والإنسان يُحكم عليه بأفعاله.
هذا هو الذي أود أن أقوله لك، وأرجو أن نكون قد شجعناك التشجيع الصحيح والتشجيع العلمي، وعليك بالتطبيق، ويجب أن تكون خارطتك الزمنية لواجباتك اليومية واضحة، إما أن تسجلها في دماغك وفكرك أو تكتبها وتلتزم التزاماً قاطعاً لتنفيذها.
لا مجال للمساومة، لا مجال للتسويف، لا مجال لـ (لا أستطيع)، أنت تستطيع وكل إنسان جعل الله فيه الاستطاعة ولو كان ذلك ما كان يوجد تكليف من الله إلى الناس من صلاة وصيام وصدقة - وغير ذلك - بل بحسب استطاعته، لذلك قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}.
إذًا أنت تستطيع أن تغير نفسك بنفسك، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، أنت لديك فرصة عظيمة في هذا العمر الذي يتمناه الكثيرون، عمر العنفوان والقوة والطاقة والشباب والدافعية، فهذا هو الرصيد الذي يجب أن تبني عليه، وأنت مطالب كأحد أبناء هذه الأمة أن تكون عالي الهمة وأن تساهم في إعلاء شأنك وشأن أسرتك وشأن أمتك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.