المحادثة بين الفتاة والفتى على الماسنجر للتناصح.. نظرة شرعية
2008-06-11 09:20:43 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة أبلغ من العمر 15 عاماً، تعرفت على شاب " ملتزم ومتدين" عبر الإنترنت، وذلك عندما كنت عضوة في أحد المنتديات للعوام، وهو كذلك كان أحد الأعضاء فيه وتركه بعد أن أنهى مهمته فيه.
المهم أرسل لي رسالة ينصحني فيها بالخروج من المنتدى وكل منتدى عامي لأنه باب فتنة، ولابد من غلقه، ولخوفه علي من ضعاف النفوس الذين يكثرون في مثل هذه المنتديات، ويمكن أن يستغلوني.
وفعلاً طبقت نصيحته وخرجت من هذه المنتديات لأني أحسست أنه صادق في نصحه لي، ويرجو من الله الأجر والمثوبة في ذلك، وبقينا على تواصل عبر الإيميل بما يرضي الله، وكنا نتحادث عبر الماسينجر، وكان يقوم بإرسال المحاضرات الدينية لي، وأرسل لي بعض الروابط لمنتديات دينية طيبة، ولا أخفيكم أنني ارتحت لهذا الشاب وأحببته في الله لدينه وحسن خلقه.
لكن من فترة تركت محادثته لأني خفت أن يستزلنا الشيطان، لكنه والله لا يذهب من بالي لحظة، وأحس بتأنيب الضمير لأني تركته دون سابق إنذار، مع أني ما رأيت منه إلا كل خير، فما حكم محادثتي له عبر الماسينجر، علماً بأن محادثاتنا تخلو من الكلام العاطفي وعبارات الحب والغزل، وإنما ليستفيد بعضنا من بعض أو بالأصح أستفيد أنا منه ومن العلم الذي عنده؟
أرجوكم أفيدوني بارك الله فيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تغريد .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يملأ قلبك بمحبته جل جلاله، وأن يرزقك العفاف والحياء، وأن يُباعد بينك وبين ما يغضبه، وأن يجعلك من الصالحات القانتات المستقيمات من الحافظين فروجهم والحافظات.
ونحن هنا -ونكرر- سعداء باتصالك بنا؛ لأن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على محبتك لله ورسوله، وتحريك للحق، وحرصك على أن تكوني مسلمة فاضلة صادقة عفيفة مباركة، ونحن نشد على يديك بكل ما أوتينا من قوة وقلوبنا وصدورنا مفتوحة لك يا بنيتي.
بخصوص ما ورد برسالتك فإنك تعلمين أنك الآن على بداية كمال الأنوثة، وعلى بداية عهد جديد من حياتك النفسية والشخصية، فالخمسة عشر عاماً معناه انتقالك من عالم الطفولة والمراهقة إلى عالم الأنوثة الكاملة، وهذه الفترة حرجة جدّاً؛ لأنه في مثل هذه المرحلة تتفجر لدى الفتاة ينابيع الميل إلى الطرف الآخر والشعور بالرغبة في الحديث مع الطرف الآخر أو الجنس الآخر، والراحة أيضاً للكلام معهم حتى وإن كان الكلام شرعياً، هذه – بنيتي – سمة هذه المرحلة، بداية تفجر الطاقات النسوية عندك، شعورك بأن هذا الطرف الآخر يوفر لك نوعا من الأمن والاستقرار، هذه ليست عندك وحدك – يا بنيتي – وإنما هي سمة لتلك المرحلة، في هذه المرحلة تبدأ الفتاة تبحث عن فتىً تبادله الحب والعاطفة وتتحدث معه وتبث إليه بهمومها، ولذلك هذه السن سنٌ من الممكن أن تتزوج فيه الفتاة المسلمة.
وهذا الأخ الكريم المبارك الذي تعرفت عليه هو رجل صدق أيضاً وشاب محترم فعلاً؛ لأنه نصحك للخروج من تلك المنتديات؛ لأنه يعرف طبيعتها، وطبيعة الذين يترددون عليها، إلا أني ما كنت أتمنى حقيقة أن تكون هناك علاقة من الخلف؛ لأنك هربت من المحرم وما زلت عليه أيضاً؛ لأن القضية – يا بنيتي – ليست نوعية الكلام وإنما الكلام من حيث المبدأ، هل يجوز للمسلمة أن تتكلم كلاماً طويلاً مع شخص أجنبي عنها ليس لها بأخٍ ولا بأبٍ ولا عمٍّ ولا خالٍ تتعلق به وتشغل به؛ لأن هذا الشاب فعلاً شغلك – يا بنيتي – وأصبحت تفكرين فيه، وأخذ حيزاً من اهتمامك، هذا كله من عمل الشيطان؛ لأن هذه العلاقة – كما تعلمين – لا تصريف لها إلا في الإطار الشرعي الحلال، أما الآن لو تعلقت به هل يا تُرى ستتزوجينه غداً؟ بالطبع لا، هل هو مستعد لأن يتقدم إليك الآن؟ بالطبع لا.. إذن لماذا نعيش مشكلة ونحن مازلنا بعيدين عنها؟!
أنت الآن أدخلت نفسك في مشكلة عاطفية كُبرى؛ لأنه سيطر على عواطفك وعلى تفكيرك وأحاسيسك ومشاعرك، وشغلك قطعاً، فأنت حتى وإن كنت في الصلاة يمر بخاطرك وإن كنت في المدرسة أيضاً يمر بخاطرك، وإن كنت في أي مكان لعله يظل أمام عينيك فترة من الزمن.
ولذلك أقول –بنيتي الكريمة الفاضلة– إن القرار الذي أخذته بتركه وعدم الاتصال به عبر الماسنجر أو غيره قرار حكيم مبارك، إلا أني أتمنى أن تتبعيه بالتوبة إلى الله تعالى، وأن تعلني توبتك أمام الله عز وجل؛ لأن هذا القرار الذي أخذته عملٌ رائع ولكنك لم تتوبي من هذه العلاقة نفسها، فالذي حدث الآن أن المعاصي توقفت ولكنك لست من التائبات، وإنما التوبة أن تظهري الندم على ما فات، وأن تعقدي العزم على عدم العود إليه - بإذن الله تعالى - في المستقبل، وأن تتوقفي – وأنت قد توقفت – فأنت الآن قد جئت بركن من الأركان الثلاثة، ثم تكثري من الاستغفار والصلاة على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
إذا كان لديك بعض الفراغ – ولابد – وهذا الفراغ يحرص الشيطان على استغلاله، فأنصحك – يا بنيتي – بالبدء في حفظ القرآن ولو بمعدل آية أو آيتين يومياً، وسوف تستفيدين في هذه الأوقات بشيء نافع ومفيد، تقضين من خلال هذا العمل المبارك على الفراغ الموجود، وتشغلين بشيء أنفع وأهم وبذلك ستضعف هذه العاطفة وتخبو مع الزمن وسوف تتخلصين منها بإذن الله تعالى.
إلا أني أيضاً أطلب منك – يا بنيتي – أن تسألي الله تعالى أن يعافيك من هذا الحب وأن يخرجه من قلبك نهائياً، وألا يُدخل حب أي رجل في قلبك إلا إذا كان زوجك على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
إن الحب في هذا السن المبكر يؤدي إلى تمزيق العواطف والمشاعر وإلى عدم الأمن والأمان والاستقرار – يا بنيتي – ويجعلك دائماً في حالة توتر وعدم راحة؛ لأنه ليس له استقرار، ولأن القلب قد تعلق وقد شُغل وأصبحت ملكاً لهذا الذي تعلق قلبك به، فإن رضي عنك فأنت أسعد الناس وإن غضب عليك فأنت من أبأس الناس، والحب الأساسي والحقيقي ينبغي أن يكون لله جل جلاله سبحانه الذي قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}.
واعلمي أن حبك لله سيترتب عليه أن يجعل الله محبتك في قلوب الخلائق، فأرى أن قرارك بالتوقف صواب، وأرى أنه كما ذكر أهل العلم لا يجوز لك استعمال هذه الوسيلة في الاتصال حتى وإن كان سيعلمك القرآن، فتوبي إلى الله واستغفريه، واسألي الله عز وجل أن يعافيك، وأكثري من الاستغفار والتوبة، واجتهدي في حفظ القرآن، ونتمنى أن نراك سعيدة موفقة، وتزفين إلينا البشرى بأنه تقدم إليك بعض أولياء الله الصالحين، وستصبحين زوجة جميلة وطيبة ورائعة، مؤمنة صوَّامة قوَّامة صالحة عفيفة فاضلة، يُضرب بك المثل بين بنات الحيِّ، ولعلَّك تحتلين الصدارة في بنات الأمة.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله ولي التوفيق.