المقصود بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)
2008-02-18 19:59:44 | إسلام ويب
السؤال:
أريد أن أعرف المقصود تحديداً من (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )؟ وهل المقصود أن كل بني آدم يخطئون؟ وهل الخطأ يكون إثماً صغيراً أم كبيراً؟ وشكراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يثبتك على الحق وأن يرزقك الاستقامة على دينه وأن يفقهك في الدين وأن يجعلك من المؤمنات الصالحات.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه وكما لا يخفى عليك أن الإنسان –أي: إنسان– مكون من روح وجسد، فالروح من عند الله وغذاؤها يكون بتنفيذ أوامر الله والسير وفق منهجه الذي وضعه لعباده في الأرض، ولذلك هي تتقوى بالطاعة وأعمال البر، والجسد مخلوق من الأرض ويحمل نفس مكوناتها وعناصرها بل وخصائصها وبالتالي فإن غذاءه يكون من الأرض التي تكون منها، ولقد اقتضت إرادة الإله -سبحانه- أن يخلق الإنسان بصورة مغايرة لعالم الملائكة وعالم الجن بل وغيرهما من العوالم التي نعرفها والتي لا نعرفها، فخلق الإنسان وأودع فيه القدرة على فعل الخير والشر جميعاً حيث قال سبحانه: (( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ))[البلد:10] أي عرفناه طريق الخير وطريق الشر وبين له ذلك بيانا شافياً واضحاً كافياً، وقال أيضا: (( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ))[الشمس:7-8] أي عرفها وأفهمهما ما هو الفجور وما هو التقوى وما فيهما من الحسن والقبح، ثم حمل الإنسان مسئولية تصرفاته وما يصدر منه فقال: {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} أي من زكى نفسه وأعلاها بالتقوى فاز بكل مطلوب وظفر بكل محبوب، وقد خسر من أضلها وأغواها وأهملها ولم يعنها على الطاعة والعمل الصالح.
فالأصل أن الله خلق النفس البشرية وأودع فيها القدرة على عمل الخير وعمل الشر – كما ذكرت - وأمد الإنسان بعوامل الصلاح والإصلاح وزوده بالكتب والرسل والرسالات حتى يستقيم على منهج الله، فمن أطاع الأنبياء واتبع سبيل المؤمنين ونفذ كلام الله فهو من الفائزين الناجين في الدنيا والآخرة، كما قال جل شأنه: (( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ))[طه:123]، ومن خالف منهج الله ولم يطع الأنبياء والمرسلين وهجر العمل بالكتب والرسالات فقد عرض نفسه لغضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة، كما قال جل شأنه: (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ))[طه:124] إلا أن الإنسان المسلم مهما بلغ صلاحه فإنه عرضة لأن يقع في بعض المحظورات ولم يستثن من ذلك إلا الأنبياء والرسل، فلقد عصمهم الله من الوقوع في المعاصي، وأما من سواهم فليس بمعصوم فهو عرضة للخطأ والغفلة والنسيان والجهل.
وهذه أمور كلها تسهل الوقوع في المخالفات مهما كان صلاح العبد واستقامته، فقد ينسى أمر الله في مسألة ما فيقع في مخالفة شرع الله، كمن ينسى الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الأمانة أو غير ذلك، كذلك قد يقصر الإنسان في طلب العلم الشرعي فيقع في الحرام بجهل وهذا كثير جداً، وقد يضعف الإنسان أمام بعض المغريات فيقع كذلك في المعصية، وقد يزين الشيطان للإنسان الحرام ويظل يغريه ويغويه حتى يقع فيه، وهذه أمثلة واضحة نراها من أنفسنا وممن حولنا، فقد نقع في الغيبة أو النميمة ولا ننتبه لذلك إلا بعد الوقوع في هذه الكبائر، وقد يزين الشيطان للفتاة النظر إلى شاب من الشباب ويجمل ذلك في عينها حتى تخالف شرع الله وهكذا الشباب، وتتوقف نسبة الوقوع في المعاصي على التربية الأسرية ومستواها الإيماني وعلى البيئة التي يعيش فيها الإنسان وعلى الصحبة التي يمشى معها إلى غير ذلك من العوامل، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: ( كل بني آدم خطاء )، فلا يوجد أحد مهما كان إيمانه إلا ويحدث له بعض الأمور التي ذكرناها ولقد شاء الله ألا يعصم العبد من الوقوع في المعاصي لحكم يعلمها هو سبحانه، والتي من أهمها حتى نعبد الله تعالى بالأسماء والصفات التي تتعلق بالتوبة والرحمة والمغفرة؛ لأنه أخبرنا أنه يحب التوابين، فإذا ما وقع العبد في معصية ثم تاب منها إلى الله وتركها حياء من الله أحبه الله، وهكذا بقية الأسماء والصفات التي تتناسب مع حال العاصي وتوبته، وهذا الحديث إنما هو إخبار عن الواقع وليس أمراً بالمعصية؛ لأن هذا مستحيل ولا يقبل لا شرعاً ولا عقلاً وإنما كأنه يقول -صلى الله عليه وسلم- كلكم سوف تقعون في الخطأ والمعاصي..والخطأ منه ما يكون صغيراً ومنه ما يكون كبيراً، ولقد جعل الله لجميع الذنوب كفارات ومطهرات، وأخبرنا بأنه يحب التوابين بل ويفرح بتوبتهم، وأن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها.
والله الموفق.