بعد وفاة أمي لم أعد أستطيع الحياة، فما نصيحتكم؟
2023-11-15 08:39:13 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
سافرت خارج البلاد لتحسين دخلي، وقبل عودتي بشهر جاءني الخبر بوفاة والدتي، وكانت هي كل شيء لنا، كانت أمي وأبي بعد وفاة والدي، ومن سوء الحظ لم أحضر مراسم الجنازة، كنت أتمنى أن تنقضي الأيام حتى أعود، ليس لشيء سوى رؤيتها فقط.
لم تكن تشغلني ابنتي أو زوجتي، أو أي شيء آخر، الآن أراها في كل شيء، لا أستطيع أن أعيش، قلبي مشتعل حتى أنني أصبحت مهملاً في صلاتي، وقد كنت أحافظ عليها، لقد استودعتها عند الله قبل أن أسافر، وكنت أنتظر أن أعود لرؤيتها، ولكني لم أجد وديعتي.
أتمنى الموت لكي ألقاها، ولكن لا أعرف كيف، لدرجة أنني أفكر في الانتحار كثيراً، وفكرت في تناول دواء لانوكسين لفترة، كانت أمي كل شيء في حياتي، كيف أتعايش مع هذا الأمر، مرت ثلاثة أشهر على هذا الأمر، في كل يوم يزداد الشوق لأمي، لم أعد أحتمل، ينصحني كثير من الناس بالصبر، وكلمات أنا أعرفها، ولكن قلبي لا يتحمل هذا الفراق، ادعوا لي وانصحوني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أيها الأخ الفاضل- في الموقع، ونسأل الله أن يرحم والديك ووالدينا وأمواتنا وأموات المسلمين، وأن يرحمنا إذا صِرنا إلى ما صاروا إليه، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
أرجو أن تعلم -كما يعلم الذين فقدوا آباء أو أمّهات- أن أكثر ما يفيد الآباء والأمهات بعد موتهم الدعاء والاستغفار لهم، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلَّا بهم، واستقامتنا نحن معاشر الأبناء والبنات على طاعة رب الأرض والسماوات؛ لأننا امتدادٌ لعملهم الصالح.
نتمنَّى أن تُخرج من نفسك هذا الاعتراض على ما قدّره الله تبارك وتعالى، فالكون هذا ملْكٌ لله، ولن يحدث في ملك الله إلَّا ما أراده الله، وإذا أردتَّ أن تكون مع الوالدة، فينبغي أن يكون ذلك بالطاعات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلها من أهل الجنّة، فابحث عن الطريق الذي يُوصلك إلى جنّة الله ورضوانه، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجمع بينكما، ويجمع بيننا وبين أحبابنا في جنّةٍ عرضها السماوات والأرض، في صُحبة رسولنا -صلى الله عليه وسلم-،{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] .
أمَّا هذا الذي يحدث منك فينبغي أن يتغيّر، وتعوّذ بالله من فكرة الانتحار، فإنك بهذه الطريقة ستدخل نفسك في غضب الله، ولن تستفيد الوالدة من هذا الذي يحدث، فابحث عن الشيء الذي يُفيدها، وحوّل محبتك إليها وشوقك إليها إلى استغفارٍ ودعاء، يصل إليها في قبرها، وينفعها عند ربها تبارك وتعالى، فقد أفضت إلى ما قدّمت، وكلُّنا سيمضي في هذا السبيل، واعلم أن لمن حولك من الناس حقوقًا، ينبغي أن تؤديها إليهم.
وحاول دائمًا أن تتفهّم أن هذا الكون -كما قلنا- بأمر الله تبارك وتعالى، وهو مُلكُ الله الذي لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون، سبحانه وتعالى، والوديعة محفوظة عند الله تعالى سواء كانت في قبرها أو أخذها الله إلى جنّته ورضوانه بعد ذلك، بل لمَّا يموت الإنسان تقوم قيامته، فالقبر إمَّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على الصبر، وأن يرحم الوالدة برحمته الواسعة.
ندعوك إلى تجنّب الألفاظ التي فيها اعتراض على قضاء الله وقدره، واعلم أن التعامل مع الأحداث لا يكون بترك الصلاة، أو التكاسل فيها، أو التفكير في الانتحار، بل ينبغي أن يكون في الموت موعظة لنا، وكفى بالموت واعظًا، كما كان نقش خاتم عمر -رضي الله عنه-: (كفى بالموت واعظًا يا عمر).
إن تذكر الموت يجعل الذي لا يصلي ينتظم في صلاته، والذي كان يُصلي يزداد خشوعًا وخضوعًا لله تبارك وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على الخير، وإياك والمضي مع وساوس الشيطان، فالشيطان همُّه أن يُحزن أهل الإيمان، وتعوّذ بالله من مجرد التفكير في الانتحار، واعلم أن شوقك لأُمّك ينبغي أن يتحوّل إلى دعاء لها، وأعمال صالحة تنتفع بها بعد أن مضت إلى الله تبارك وتعالى، ولا تحتاج أن ننصحك بالصبر؛ لأنك إنسان كبير وعاقل، وتعرف أن العاقبة للصابرين.
نسأل الله لنا ولك التوفيق، ورحم الله أمواتنا وأموات المسلمين جميعًا.