أنفق على أبي بالقدر الذي أستطيعه وترتضيه نفسي، فهل هذا يرضي الله؟
2022-09-06 00:12:04 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.
الحمدلله على كل حال، أريد أن أسأل إذا كان هذا الأمر الذي أفعله يغضب الله.
أكرمني الله بوظيفة في مدينة بعيدة عن أهلي، وأصرف على نفسي سواء من سكن ومواصلات ورحلات الطائرة، كل شيء، ويسألني أبي وهو موظف على وجه التقاعد مبلغاً كل شهر، وأنا بكل صدق لا أعطيه المبلغ الذي يطلبه كاملاً، إنما أعطيه جزءًا من المبلغ أحياناً يكون كبيراً وأحيانا يكون صغيراً حسب حاجتي للمال، وسوف أكون صادقة أكثر، أبي كان يصرف علينا ولكن قليلاً، وبكل صدق أمي من كانت تصرف لنا معظم احتياجاتنا.. سكن، وطعام، وعندما يطلبني أبي لا أريد أن أعطيه أي شيء؛ لأنه بنظري كان مقصراً، وأمي لو طلبت كل مالي لأعطيتها كل مالي، فقلت لنفسي لوجه الله سوف أعطي أبي ما ترضى به نفسي، وإذا علمت أنه في حاجة أعطيته من أجل رضى الله.
وقبل أن أتوظف كان يصرف علي ويقول بأن كل دينه صرف على السكن والمواصلات، وكأني لست ابنته! وهذا الشيء يؤلمني جداً؛ لأن أبي ويتعامل معي بالحسنة إذا أعطيته المال، ويغضب علي إذا لم أعطه المبلغ الذي يطلبه كل شهر، في نهاية الأمر الذي أفعله أعطيه القدر الذي ترتضيه نفسي أن تعطيه.
أنا أعلم أنه من أولي القربى وهو أحق من غيره، لكن لا أشعر أنه بحاجة إلى المال؛ لأنه ليس فقيراً، أكرمه الله بورث جدي -رحمه الله- وأمي التي أفنت حياتها كلها من أجلنا، لم تسألني مالاً وتقول لي: (راتبك لكِ) الحمد لله على كل حال.
هل يغضب الله علي إذا أعطيت أبي ما ترتضيه نفسي؟ وما هو الحل مع غضب أبي؟
الله يعلم أنني حينما أعطيه ليس حباً ولكن حتى يرضى ويرضا الله، ولكنه حتى لا يسأل إذا كنت محتاجة للمال أم لا، ولا يريد حتى أن يسمع احتياجاتي -هداه الله وأصلحني-.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.
ينبغي أن تتذكّري –أيتها البنت الكريمة– حق الوالد على ولده، وأن تعلمي أنه سببٌ لوجودك في هذه الحياة، ولهذا عظّم الله سبحانه وتعالى حقّ الوالد على الولد، وجعل الوصية بالإحسان للوالد قرينة الوصية بتوحيد الله تعالى وعبادته، فقال سبحانه: {وقضى ربك ألَّا تعبدوا إلَّا إيّاه وبالوالدين إحسانًا}؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المُوجد، والوالد كان سببًا لهذا الوجود، فكلّ نعمةٍ أنتِ فيها الوالد هو سببٌ في وجودها، لأنه كان سببًا في وجودك.
وحق الوالد لا يُسقطه ما يقع فيه هذا الوالد من التقصير في حقوق أولاده، وإن كان يأثم ويتعرّض لعقاب الله تعالى وحسابه إذا هو قصّر فيما يجب عليه من الحقوق، ولكن هذا لا يعني إسقاط حقه على ولده، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وإنْ جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تُطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا}.
فكلُّ تقصيرٍ وقع من والدك في حقِّك لا يجوز أبدًا أن تجعليه مُبَرِّرًا للتقصير في حقه عليك، واعلمي أن الله سبحانه وتعالى يُقابل عملك بالإثابة والجزاء، وأنه سبحانه لا يُضيع أجر مَن أحسن عملاً. فما تفعلينه من البر والإحسان لوالدك يعود ويرجع إليك أنت أولاً، فإن الطاعة سببٌ لجلب الأرزاق، وسعادة الدنيا والآخرة.
فكوني على ثقة من أن إحسانك إلى أبيك وأُمّك، ومبالغتك في ذلك يعود عليك بالنفع ويكون سببًا لسعادتك.
وأمَّا عن المقدار الذي ينبغي أن تُعطيه لأبيك إذا طلب منك المال، فالنفقة واجبة عليك له ما دمتِ قادرة على ذلك وهو محتاج، فإذا كان محتاجًا لشيء من النفقات – في المسكن، والمشرب، والملبس، ونحو ذلك – فإنه لا يجوز لك أن تُقصّري بشيءٍ من ذلك ما دمتِ قادرة عليه.
إلَّا إذا كان الأبُ غنيًّا وكانت له أموال يجد فيها كفايته؛ فحينها لا يجب عليك الإنفاق، ولكن مع هذا يجوز له أن يأخذ من مالك بشرط ألَّا يحصل ضررًا عليك، وألَّا يكون أخذه لهذا المال ليُعطيه لإخوانك أو أخواتك، إن كان لك إخوة وأخوات آخرين غيرك.
فإذا عرفت هذا الحكم الشرعي فالنصيحة لك أن تحاولي استرضاء والدك، والاعتذار له بالكلمة الطيبة، مع بذل للوسع في الإحسان المادّي إليه، والظنّ أن والدك رحيمٌ بك، وهذا ظنُّنا في كلِّ والدٍ، رحيمٌ بك، حريصٌ على مصلحتك، فإذا وجد منك الرفق واللين وأنك تبذلين له ما تستطيعين، وتُحسنين الاعتذار له عن تنفيذ كل ما يتمنّاه أو يرغب في حاجتك أنت للمال أو نحو ذلك؛ الظنّ به أنه سيتجاوز عنك ويرضى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.