أعيش حالة نفسية صعبة كيف أتجاوزها؟
2021-10-26 03:12:12 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أعيش حالة نفسية صعبة، وأطلب يد العون، حيث لا يأتي إلى مخيلتي إلا الأفكار السوداوية والتي تجلب إلي الحزن والمرارة، فأتذكر مواقف صعبة، وأتخيل مواقف بشعة وأسيء الظن بالناس وبكل شيء.
الآن منشغل بموضوع عن الشياطين والجان، هل تستطيع الدخول أو اختراق الهاتف؟ لأنني أحيانا أكون أتصفح الجوال فتطرأ أشياء غريبة ليست منطقية، فأفسرها على أنها شيطان أو جني، فهل له القدرة على الدخول لعالم الهاتف أو الالكترونيات؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Nour حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك ابننا الفاضل في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجلب لك السكينة والطمأنينة، وأن يشغلنا بذكره وشُكره وحُسن عبادته.
نحب أن نؤكد لك أن كيد الشيطان ضعيف، وأن هذا الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، فحافظ على أذكار المساء والصباح، وأكثر من قراءة القرآن، وخاصة سورة البقرة، فإن سورة البقرة طاردة للجنّ، والبيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة بيتٌ لا يدخله شيطان، وحاول دائمًا أن تُكثر من البسملة عند تمسك الجوّال، عندما تخرج، عندما تدخل، وتلتزم بأذكار الأحوال – إذا دخلنا، إذا خرجنا – وأرجو أن تُكثر أيضًا من قول (لا حول ولا قوة إلَّا بالله) ومن قول نبي الله يونس: (لا إله إلَّا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فإن في هذه الأذكار مع الاستغفار والصلاة على رسولنا المختار؛ فيها ذهابٌ للهموم والغموم، وطردٌ للشيطان، فالشيطان لا يستطيع أن يقترب من إنسان ذاكرٌ لله تبارك وتعالى.
وأرجو أيضًا أن تعلم أن هذا الشيطان لا يستطيع أن يفعل أشياء كما يتخيلها الناس، خاصة إذا كان الإنسان مُحصَّنٌ بالأذكار، ويعرف قُدرات هذا الشيطان الرجيم الضعيفة، ويتذكّر قُدرة الله تبارك وتعالى، وقد قال الله تعالى: {وليس بضارِّهم شيئًا إلَّا بإذن الله}، وقال: {إن كيد الشيطان كان ضعيفًا}.
فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، واطرد عن نفسك هذه الهواجس، وحاول أن تكون مع الناس، وأن تشغل نفسك بالمفيد، وإذا جاءتك فكرة سالبة أو فكرة سيئة فحاول أن تطردها من البداية، كما قال ابن القيم: "طارد/ادفع الفكرة قبل أن تتحول إلى هم، وطارد الهمِّ قبل أن يتحول إلى إرادة، وطارد الإرادة قبل أن تتحول إلى عمل"، أو كما قال: (واعلم أَن الخاطرات والوساوس تُؤدِّي متعلقاتها إِلَى الْفِكر، فيأخذها الْفِكر فيؤديها إِلَى التَّذَكُّر، فيأخذها التَّذّكر فيؤديها إِلَى الْإِرَادَة، فتأخذها الْإِرَادَة فتؤديها إِلَى الْجَوَارِح وَالْعَمَل، فتستحكم فَتَصِير عَادَة) ثم قال: (فَرَدُّها من مبدأها أسهل من قطعهَا بعد قوتها وتمامها).
وقال: (فَإِذا دفعتَ الخاطر الْوَارِد عَلَيْك انْدفع عَنْك مَا بعده، وَإِن قبلته صَار فكرًا جَوَّالا). وقال: (وَمن الْمَعْلُوم أَن إصْلَاح الخواطر أسهل من إصْلَاح الأفكار، وَإِصْلَاح الأفكار أسهل من إصْلَاح الإرادات، وَإِصْلَاح الإرادات أسهل من تدارك فَسَاد الْعَمَل، وتداركه أسهل من قطع العوائد، فأنفع الدَّوَاء أَن تشغل نَفسك بالفكر فِيمَا يَعْنِيك دون مَالا يَعْنِيك فالفكر فِيمَا لَا يَعْنِي بَاب كل شَرّ).
فأرجو ألَّا تمكّن الشَّيْطَان من بَيت أفكارك وإرادتك فَإِنَّهُ يُفْسِدهَا عَلَيْك فَسَادًا يصعب تَدَارُكه، ويلقي إِلَيْك أَنْوَاع الوساوس والأفكار المضرّة، ويَحُولُ بَيْنك وَبَين الْفِكر فِيمَا ينفعك.
وقد ضرب ابن القيم مثالاً فقال: (مثالك مَعَه – أي مع الشيطان - مِثَال صَاحب رَحا يطحن فِيهَا جيّد الْحُبُوب، فَأَتَاهُ شخصٌ مَعَه حِمْل تُرَابٍ وبَعْر وفحم وغثاء ليطحنه فِي طاحونته، فَإِن طرده وَلم يُمكِّنْهُ من إِلْقَاء مَا مَعَه فِي الطاحون اسْتمرّ على طحن مَا يَنْفَعهُ، وَإِن مَكَّنه فِي إِلْقَاء ذَلِك فِي الطاحون أفسد مَا فِيهَا من الْحبّ وَخرج الطحين كُله فَاسِدًا).
وأرجو أن تعلم أنك لست محاسبًا بهذه الأفكار التي تقتحم عليك، لأن هذا ممَّا لا يُكلِّفُنا الله تبارك وتعالى به، وهو فوق الطاقة، ولكن إذا كانت الأفكار مثلاً تمسّ الذات الإلهية فإن الإنسان يتعوّذ بالله من الشيطان، ويقول: (آمنت بالله) ثم ينتهِي.
وأرجو أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه من يشكى أنه تأتيه وساوس مثل هذه وقال: (زوال السماوات أحب أن أتكلّم به) أو قال: (يَا رَسُول الله إِن أَحَدنَا يجد فِي نَفسه مَا لِأَن يَحْتَرِق حَتَّى يصير حممة أحب إِلَيْهِ من أَن يتَكَلَّم بِهِ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَو قد وجدتموه) قَالُوا: نعم. قَالَ (ذَاك صَرِيح الْإِيمَان)، وفي رواية قال: (الْحَمد لله الَّذِي رد كَيده إِلَى الوسوسة)، وفي رواية قال: (الله أكبر، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة).
كون الشيطان لا يستطيع إلَّا أن يُوسوس هذا من أدلة ضعفه وحقارته ودليل على وجود الإيمان في القلب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ذاك صريح الإيمان).
ونحن سعداء أنك ترفض هذه الأفكار، ولا تُريدها، وأنت لست محاسبًا عليها، لكن هذا الرفض دليلٌ على ما فيك من إيمانٍ وخير، ونبشّرُك بأن الله لا يسألُك عن هذه الأشياء، كما قال الله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تُحمِّلنا ما لا طاقة لنا به}، فهذا ممَّا ليس لك به طاقة، ولكن لا نريد أن تقف عنده طويلاً، وعالج هذه الأفكار السالبة بالإهمال، واشغل نفسك بالمفيد، ثم انتهي، (ولينتهِ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن الإنسان يقطع تواتر الأفكار، لا يستمر معها ويتمادى، لأن التمادي معها يُعمِّقُها ويزيدُ من ضررها وخطرها.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، ونتمنّى أن نسمع عنك الخير، ونُكرر الترحيب بك في الموقع.