لا أقدر على ترك المعاصي والذنوب فكيف أتوب؟
2020-12-27 05:34:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله، وبركاته
أنا فعلت كثيرًا من الذنوب والمحرمات، علماً بأني أصلي كل الفروض؛ ولكن لا أقدر على ترك المعاصي والذنوب، فأنا أريد أن أتوب توبةً نصوحاً، فهل لي توبة؟ علماً بأني قد فعلت الكبائر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحباً بك -أخي الكريم- وردًا على استشارتك أقول:
نحمد الله تعالى أن وفقك لأداء العبادات، ونوصيك أن تداوم على ذلك، وأن تجتهد في الإكثار من عمل الصالحات من صلاة وصوم وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى وغير ذلك، فذلك كله من أسباب تقوية الإيمان، والذي بدوره سيولد في نفسك تعظيم الله، والخوف منه، وسيوجد حاجزًا يمنعك من الوقوع فيما يغضب الله تعالى.
قد يضعف العبد في بعض الساعات، ويوسوس له الشيطان، وتسول له نفسه الوقوع في الذنب، ومع هذا فإن باب التوبة لا يزال مفتوحاً، وهذا من رحمة الله، فمهما أذنب العبد فإن تاب يتوب الله عليه، ويتقبل توبته، فقد صح في الحديث: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وفي الحديث أيضا: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله لهم).
لقد أتي المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا الدين الذي تدعو إليه حسن لو علمنا أن الله يغفر لنا، فإنا قد قتلنا فأسرفنا وزنينا فأكثرنا وشربنا الخمر، فهل لنا من توبة فأنزل الله تعالى قوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
صح في الحديث عن النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَحْكِي عَن ربِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى قَالَ: أَذنَب عبْدٌ ذَنْبًا فقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِم أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ ربِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَي رَبِّ اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذْنَبَ عَبدِي ذَنبًا، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ) متفقٌ عَلَيهِ.
قوله: (فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ)، يعني: ما دام يتوب إلى الله من ذنبه ويُقْلِع ويندم فهو جديرٌ بالتوبة؛ لأنَّ الإنسان محلُّ الخطايا وليس المقصود أن الله يبيح له فعل المعصية.
لا تيأس من رحمة الله، فباب التوبة لا يزال مفتوحا، وفي الحديث: (إن الله - عز وجل - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها).
لا ترسل لنفسك الرسائل السلبية مثل قولك: (لا أقدر على ترك المعاصي)؛ لأن مثل هذه الرسالة يستقبلها العقل، ويتفاعل معها ويرسل أوامره لبقية أعضاء الحسد للتفاعل معها.
أنت قادر على ترك المعاصي، وقادر بعد عون الله لك على الاستقامة، فعليك أن تكثر من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسل ربك أن يتوب عليك وأن يصرفك عن الذنوب، ويرزقك الاستقامة، وأكثر من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).
أحسن الظن بالله تعالى، وأيقن بأن الله تعالى سيوفقك وسيمنّ عليك بالتوبة، ويرزقك الاستقامة ، وعليك أن تعمل بالأسباب منها ترك رفقاء السوء، فإن لهم أثراً في هذا الباب، وعليك بمصاحبة الأخيار، فإنهم يدلون على الخير، ويعينون عليه، ويأخذون بيدك إن زلت قدمك.
ابتعد عن الاختلاء بنفسك؛ فإن الشيطان يفترس من يختلي بنفسه، ويبتعد عن العيش مع الناس فيغره ويمنيه ويزين له.
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والاستقامة وأن يتوب علينا أجمعين.