كيف أبر الأم التي ظلمتني وفرقت بيني وبين إخوتي؟
2024-03-25 00:28:39 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
منذ ولادتي وأنا مظلومة معنويًا وماديًا من والدتي، وبالمختصر فقد ظلمتني بميراث أبي، كذلك لم أجد منها أي حنان أو مساواة مع إخوتي، فضحتني عند زوجي، وهددتني، وكلما أمد لها يد البر والإحسان تردها، أتضرر من وصالها دائمًا! نفسيًا فرقت بيني وبين إخوتي، أصبحنا في حقد وغل وكره لبعضنا؛ لأنها تنشر الفرقة المادية والمعنوية، وتقوم بالوقيعة.
حاولت تفرقتي عن زوجي، لم أجدها في مراحل حياتي، تركتني، أهملتني تسببت في أذيتي حتى أصبحت غير واثقة بنفسي، وأعاني من الرهاب والخوف من كل شيء، لا أثق فيها، غير أمينة على أسراري، وتسبب الضرر المادي لي ولعائلتي.
صبرت إلى الآن، وأتودد لها، وتقوم بنكران أي شيء أحضرته أو قمت ببذله لبرها، وتقلل منه، وتسخر منه، حياتي تصبح كئيبة بوصالها؛ لأنها لا تكف الأذى أو تكف الظلم.
لا أستطيع أن أبرها، أليس الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها؟ ما هو الحد الذي أصلها به بحيث أتجنب أذاها، لأني مرتاحة في البعد عنها؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Salheen حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبًا بك -أختنا الكريمة- وردًا على استشارتك أقول:
لعلك تدركين أن أمك كانت سببًا في وجودك في هذه الحياة، وحملت بك، وعانت من الحمل، ثم وضعتك، وتحملت آلام الولادة، وصدق الله حين قال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) ولعلك صرت أمًا، وعرفت ما معنى حملته كرهًا ووضعته كرهًا، وكيف تعاني الأم في تربية ولدها، وكيف أنها لا تنعم بنوم في الليل، ولا راحة في النهار، فهي ما بين إرضاع وتنظيف وغسل للجسد والملابس، وهلم جرًا.
الأم تبقى هي الأم التي أمر الله سبحانه ببرها والإحسان إليها؛ حيث قال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) فانظري كيف قرن الإحسان للوالدين بعبادته سبحانه وتعالى، ثم أردف بالأمر بعدم التأفف من التعامل معهما، وخاصة في حال الكبر، حيث يحتاجان للرعاية ورد الجميل.
هنالك أمهات وأباء يتعاملون مع بعض أبنائهم بشيء من الغلظة، ويفرقون في تعاملهم مع أبنائهم من شخص لآخر، ويظهرون ذلك ويعلنونه، وهذا بدون شك أمر محرم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالعدل بين الأبناء فقال: (اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم)، والعدل ليس في العطاء فقط، بل نص بعض أهل العلم على أن العدل حتى في التقبيل، فإذا قبل هذا لزمه أن يقبل الآخر.
على الولد أن يؤدي الذي أمره الله به، وإن كان الوالد قد أساء ويسيء معاملته؛ لأن الله أمر بالإحسان للوالد كونه والدًا، ولم يفرق بين من أحسن ومن أساء في وجوب البر، ألا ترين أن الشرع لم يفرق في الميراث بين البار والعاق من الأبناء؟
أرى أن تصبري وتحتسبي الأجر عند الله تعالى، وإن أنكرت والدتك إحسانك فالله تعالى يعلم السر وأخفى، فعامليها بما تحبين أن تعاملي به، وابتغي الأجر من الله تعالى.
أكثري لها من الدعاء وأنت ساجدة، وسلي الله تعالى أن يلين قلبها نحوك، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ما يخص الإرث: هي من ستتحمل وزره، والذي أوصيك به أن تسامحيها؛ لأن المال عرض زائل، وسيعوضك الله تعالى خيرًا منه، إنه جواد كريم.
إن كانت شديدة الأذى، فتواصلي معها عبر الهاتف، وسلي عن حالها، ولك أن تزوريها كل عشرة أيام أو نصف شهر، مع عدم المكث الطويل، ولا تهملي أن تجلبي لها معك في بعض الأحيان هدية رمزية، فالهدية تستل ما في الصدور، وتجلب المحبة وتوطدها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابوا).
لك أن تقدري المسافة بين الزيارة والأخرى والاتصال والآخر بما يحقق لك أنك لست قاطعة رحم، ويحقق لك اجتناب كثرة الاحتكاك التي تسبب ما تعانين منه.
لا تظهري لها تضجرك وتسخطك، وأكثري من الدعاء لها والتودد لها بالكلام اللين وتصبري، فما أعطي أحد أفضل من الصبر.
احرصي على أسرتك، واجتهدي في إسعاد زوجك، والابتعاد عن كل ما يتسبب في إفساد علاقتك به، وكوني له أرضًا يكن لك سماء، واعلمي أن طاعته باب من أبواب الجنة كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أطاعت المرأة زوجها وصلت خمسها دخلت جنة ربها)، وقال: (أنظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك).
تعاملي مع إخوانك بما يرضي الله عنك وصليهم باتصال، أو برسالة نهاية كل أسبوع، تخرجي من قطيعة الأرحام يقول عليه الصلاة والسلام: (بلوا أرحامكم ولو بالسلام).
كوني كتومة، فلا تبثي لوالدتك ولا لإخوانك أي شيء من أسرارك طالما هنالك من يفشيها، واجتهدي في حل مشاكلك إن وجدت بنفسك مستعينة بالله تعالى.
من أفضل ما يجلب لك الحياة الطيبة المطمئنة:
أن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح؛ ابتداء بالمحافظة على فرائض الله، وأهمها الصلاة ثم الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، واستماعه، وكثرة نوافل الصلاة والصوم، يقول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ففي هذه الآية تكفل ربنا سبحانه بالحياة الطيبة لمن تحقق فيه الإيمان والعمل الصالح.
مما يذهب عن المؤمن الهموم ويزيل الكروب:
لزوم الاستغفار، والإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق.