كيف أتعامل مع عصبية والدي الزائدة؟
2020-10-28 02:58:05 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
لا أستطيع العيش بصورة طبيعية بسبب قلق وعصبية والدي، كل شيء عنده مرفوض وممنوع لكنه ليس حراما، كالخروج من المنزل أو الضحك.
والدي متقاعد، وغير متقبل لحياته الجديدة، وعنده اكتئاب وسيء الخلق، ولا يطيق الكلام مع أحد، وويعامل الناس بشكل سيء ويشتم، ولا يعجبه شيء.
عصبي جدا وسيء المزاج، ويغضب لأتفه الأسباب، أو بدون سبب، ويطرق علي الباب بطريقة مفزعة في جميع الأوقات، وإذا تأخرت في فتح الباب غضب علي مهما كان عذري، ودائماً يؤنبني على كل صغيرة وكبيرة، وفي كل الأماكن والأوقات، علماً أنه دائماً يحدث مشاكل مع والدتي بدون أسباب رغم أنها من أحسن الناس خلقاً.
لا أعرف كيف أتعامل معه، أريد دواءً يهدئ أعصابي.
أرجو الرد، شكرا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حسناء حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أهلا ومرحبا بك -أيتها الفاضلة- في الشبكة الإسلامية، ونشكر لك ثقتك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنك بالموقع، ونتمنى لك التوفيق والسعادة.
استشارتك -عزيزتي- تحتوي على عدة نقاط، منها ما يختص بك شخصيا، ومنها ما يختص بوالدك الكريم -حفظه الله لكم-، وبناء على ذلك نبدأ معا في وضع النقاط على الحروف لإيجاد حل صحيح وسليم -إن شاء الله تعالى- لهذه المشكلة.
بداية نرجو أن تفتحي عقلك وقلبك، وتتحلي بسعة الصدر لنخرج من المشكلة بحل يرضيك ويخفف عنك مشاعرك السلبية، فالأمر بيدك وحدك، ولن يتغير شيء مما ترفضينه إلا إن سعيتِ لتغييره، "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فلنستعن بالله ونتوكل عليه وهو نعم الوكيل.
أولا: نرجو أن تعرفي أن مشكلتك ليست مشكلة خاصة بك، أو مقتصرة عليك، فهي مشكلة عامة يعاني منها الكثير الكثير من الأبناء والبنات والأسر في الوطن العربي، وكلما كانت المشكلة عامة وليست خاصة كلما كانت وقعتها أخف والوصول إلى حلها أسهل.
اعلمي أن كل مشكلة أو معضلة أو مصيبة نتعرض لها في هذه الدنيا إنما هي من الابتلاء الذي نؤجر عليه -إن شاء الله تعالى-، فالدنيا دار ابتلاء واختبار، والآخرة دار فوز وراحة واستقرار، والهم والحزن الذين تعانين منهما إنما هما من الابتلاءات التي يبتلي به الله تعالى عبده، وعلى العبد المؤمن الصبر والاحتساب عند الابتلاء، والصبر على المصائب تطهر الذنوب والخطايا، فيلقى العبد الله نقيا من الآثام والذنوب، وقد وعد -سبحانه وتعالى- الصابرين على الابتلاء بقوله: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، أي بلا حد ولا عد وحدود، وهذا من عظيم كرمه -سبحانه وتعالى-.
وورد في الصحيح عن صهيب -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".
وعن أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هّم ولا حزن ولا غّم ولا أذّى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه".
ولو نظرت حولك لرأيت ابتلاءات الناس أكثر بكثير مما ابتلاك الله به، فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ النّاس أشد بلاء؟ قال:"الأنبياء، ثّم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة".
فلو كانت الابتلاءات شرا لا تتضمن خيرا وفلاحا ما قدره الله على أنبيائه، ولكن الله تعالى من رحمته وكرمه يبتلي العبد ليطهره من الذنوب، وإن لم يكن صاحب ذنب كالأنبياء فإنه ينال الأجر والثواب على الصبر والاحتساب.
فأنصحك بالصبر والاحتساب حتى تنالي الأجر والثواب، ويكفر الله عنك ذنوبك، وتنالين التوفيق في الدنيا والآخرة جزاء هذا الابتلاء.
ثانيا: بدأت استشارتك بجملة (لا أستطيع العيش بطريقة طبيعية بسبب قلق وعصبية والدي).
تذكري أن الله تعالى أوصانا بالوالدين فقال: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا"، فجعل برهما والإحسان إليهما مباشرة بعد الأمر بعبادته وعدم الشرك به، وهذا دليل على عظمة وأهمية هذه القيمة الإنسانية الرائعة، والتي تثمر خيرا وفلاحا في حياة المرء، فالدنيا سلف ودين، ما تقدمينه لوالديك تجدينه عند أبنائك، فاغرسي بر والديك لتحصدي بر أبنائك لك في المستقبل -إن شاء الله-، فأطيعهيما، واسعي لنيل رضاهما، واخدميهما، وتلطفي في الحديث معهما، وارفقي بحالهما، وأدخلي السرور عليهما، وتقبلي منهما كل شيء بحب وود، وتحملي تقلبات مزاجهما، خاصة في لحظات معينة كما هو حال والدك الآن، وفي كل هذا الأجر والثواب من الله تعالى، والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، حيث تكون آثار بر الوالدين واضحة وجلية في حياة الإنسان، سواء في عمله أو دراسته أو مستقبله وحتى على دينه، فاظفري بهذه الفرصة قبل فوات الأوان.
ثالثا: لا تنسي أن والدك له الفضل في وجودك بعد الله تعالى، ولا شك أنه سعى كثيرا ليوفر لك الحياة الكريمة، ويسعدك، ويحميك من كل سوء منذ طفولتك إلى الآن وهو يمنعك من الخروج خوفا عليك من شرور البشر ومفاجآت القدر.
أعيدي شريط الذكريات، وتذكري طفولتك معه، أكيد أنه بذل كل ما باستطاعته ليقدم لأسرته حياة كريمة جيدة، وعمل على حمايتها، وقام برعايتها، وهذا عمل يشكر عليه.
أنت لم تذكري صفاته قبل التقاعد، ولكنك قلت أنه عصبي بسبب التقاعد، وهذا يعني أن العصبية حالة طارئة على شخصيته، وليست متأصلة فيه، وهنا يجب عليكما أنت ووالدتك تحمل هذه العصبية، والعمل على التخلص منها بإطاعة الوالد، وعدم مخالفته، والتفاهم معه بلطف ولين، وإشعاره بأهميته ومكانته، وأن كلمته مسموعة وأوامره مجابة، حتى يتجاوز محنته الحالية.
رابعا: اعلمي -عزيزتي- أن 80% من المتقاعدين في العالم العربي يعانون من الفراغ والشعور بالخيبة، وأنهم أصبحوا بلا فائدة، وينتقل هذا الشعور إلى تصرفاتهم وسلوكياتهم، فيصبح المتقاعد وكأنه يريد أن يثبت للجميع أنه ما زال قويا لا يحتاج أحدا، يرفض نظرة الشفقة التي يراها في أعين الذين يعملون ويعتمد هو عليهم.
المتقاعد يشعر أن صلاحيته قد انتهت، وأنه لم يعد رب الأسرة الذي يعتمد عليه في كل شيء، وبالتالي قد خسر مكانته وهيبته أمام أفرادها، وأصبح عبئًا عليهم، وصار كقطعة أثاث في البيت لا قيمة له، فيشعر بالحزن والاكتئاب، فيرفض الوضع، ويحاول أن يظهر بصورة المسيطر على البيت، وأنه ما زال سيد البيت، وصاحب الكلمة المسموعة، لذلك يتصرف لا إراديا بعصبية وغضب، وبأسلوب إلقاء الأوامر، وبسبب شعوره بالملل وعدم أهميته يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وكأنه يقول: (ما زلت موجودا).
ارجعي لسابق عهدك بوالدك، هل كان يتصرف كما يتصرف الآن؟ هل كان متفرغا لكل ما يحصل في البيت؟ ستجدين -وهذا طبيعي- أنها تصرفات وسلوكيات مستجدة، وهي بسبب الخوف من المجهول، الخوف من فقدان منزلته كأب ورب أسرة، والخوف من فقدان احترامه وتقديره لديكم، لذلك واجب عليك إزاحة وإزالة هذا الخوف من نفسه، وإظهار احترامك ومحبتك وطاعتك له، حتى يعيش والدك مرتاحا مطمئنا للنصائح، وأسأل الله تعالى أن يجعل فيها الفائدة، ويجعلها سهلة التنفيذ:
1- افتحي صفحة جديدة مع والدك منذ اللحظة، وعامليه كأنه ابنك -ولكن بكل احترام وتقدير وتبجيل الأب-، فاعطفي عليه، امنحيه حب، اثبتي له أنك رهن إشارته وفي طاعته، اسأليه عما يريد وما يرغب فيه، اسأليه عن صحته واطمئني عليه إذا تأخر في الخروج من غرفته، كوني له البنت المطيعة بمشاعر الأم الحنونة، وبهذا ترضين الله تعالى وترضين والدك -الله تعالى-.
2- اجلسي معه وتكلمي معه حول ماضيه وذكرياته الجميلة، وناقشيه في آرائه، وأثني عليه، وأبدي إعجابك بتفكيره، وأغدقي عليه كلمات الشكر لكل شيء فعله من أجلك أو من أجل أي شخص، وأشعريه بالامتنان لكل عمل قام به من أجل أسرته، وقولي له أنك فخورة به، وبيني له أنه أدى رسالته على أكمل وجه، ويستحق أن يرتاح ويهتم لنفسه، ويستمتع بالسنوات القادمة في التقرب إلى الله تعالى بكثرة العبادات، وأيضا بممارسة هواياته، وتحقيق ما لم يستطع إنجازه بسبب العمل والوظيفة.
3- أشغليه بأي عمل في البيت يملأ عليه فراغه، مثلا: حاولا معا زراعة بعض النباتات في البيت أو البلكونة، وابحثي معه في الإنترنت عن المعلومات التي تتعلق بتلك النباتات، ووكلي إليه تصنيف النباتات وأهميتها وفوائدها، وهكذا، أو اعملا معا في تصليح ما يحتاج التصليح في البيت، مثل المقاعد أو الإلكترونيات وغيرها.
4- خصصي وقتا لحفظ القرآن الكريم – إن لم تكونا من حفظته- واحفظا معا كل يوم نصف صفحة، وشجعيه وتحمسي للأمر، وراجعي له حفظه، واطلبي من الوالدة أن تختبركما نهاية كل أسبوع، بحيث يتشجع ويقضي الوقت في الحفظ ولا يفكر في أمور سلبية، والقرآن الكريم كريم في جميع نواحيه، ويدخل الطمأنينة والسرور والرضا إلى النفس –بإذن الله تعالى-.
5- حددي ساعة يوميا لقراءة كتاب في مجال يحبه والدك، ثم تناقشا حول الموضوع، واكتبي آرائه ووجهة نظره حوله، وأخبريه أنك تعتبرينه مدرسة وتتعلمين منه، فلا يبخل عليك بتوجيهاته ونصائحه.
6- أكثري من الدعاء له، وسلي الله تعالى أن يحسن خلقه، ويرزقك بره وطاعته، وسليه سبحانه أن يلهمك الصبر والأجر، إنه على كل شيء قدير.
7- أكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعظم أنواع الذكر والعبادة لله تعالى، ولو لم يكن للذكر إلا هذا الفضل لكفى به شرفا، ومن أهم أسباب استجابة الدعاء الابتداء بحمد ا ثم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأيضا الصلاة عليه سبب لمغفرة الذنوب وتفريج الهموم، قال صلى الله عليه وسلم: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة".
8- حددي يوما في الأسبوع تخرجون للتنزه والترويح عن النفس، واجعليه يوما مفيدا، وضعي يدك في يده وأنت تمشين بالقرب منه، وأشعريه أنه الأمان بالنسبة لك، وأنك تحتاجينه في حياتك بشدة، وأنك سعيدة بالأوقات التي تقضينه معه، فهذه المشاعر والسلوكيات تحسسه بقيمته، وتطمئنه عليك، بالإضافة يزداد ثقة فيك وفي نفسه -إن شاء الله تعالى-.
9- ختاما -عزيزتي- أنت لا تحتاجين لأدوية تهدئ نفسك، أنت بحاجة لمراجعة نفسك وترتيب مشاعرك، بحيث تحبين نفسك فتنقذينها من النار ببر والدك، والإحسان إليه، وتكافئين نفسك بالجنة الآخرة، والسعادة والفلاح في الدنيا من خلال الصبر والرضا بما قدره الله عليك، وشكر الله على نعمة وجود الوالدين وهما باب من أبواب الجنة، أسأل الله تعالى أن لا يغلقه في وجهك، إنه سمع مجيب.
أسأل الله تعالى أن يسدد خطاك، ويوفقك إلى ما يحبه ويرضاه.