هل ما أقوم به من فضفضة لصديقتي عما تفعله أمي بي يعد غيبة لها؟
2020-10-13 04:13:20 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أعاني منذ سنوات من مشكلة أمي التي تفضل أختي الكبرى علي، مع أني أكثر لينا معها، وأطيب لسانا، وأكثر مساعدة لها بالبيت، وأستمع لها حين تكون منزعجة، لكن عند أي اختلاف مع أختي تغضب أمي علي غضبا شديدا، وقد تبقى مخاصمة إياي لأيام حتى لو حاولت استرضاءها، لدرجة أني توقفت عن ذلك.
وحين تواجه أختي مشاكل مع الناس فإنها تقف بجانبها، حتى لو كانت مخطئة، وإذا قلت رأيي وحاولت النصح تعرضت التوبيخ، وغضبت مني، علما أني أبذل جهدي كي لا أقصر في حقها، ولو أحسست أني أغضبتها أحاول تعويضها بالإكثار على نفسي من أعمال المنزل كي أصلح خطئي، حتى لو لم أخبرها أنه للتكفير عن خطئي.
حاولت التحدث معها عدة مرات بهدوء في الموضوع، لكن تغضب مني حين أذكره ولا تسمعني، علما أنها عدا هذا الموضوع تحبني كثيرا، ولا تغضب مني، ولكني من كثرة إحساسي بالضغط أصبحت أفضفض لأختي الصغيرة وصديقاتي أحيانا، وأجد في ذلك ما يخفف ضغطي، لكن أخاف أن أكون آثمة وأعتبر مغتابة لأمي، فماذا أفعل؟ وهل أعتبر عاقة لأمي؟ وهل فضفضتي حرام؟
أرجو إفادتي وشكرا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً ومرحباً بك.
بداية، أود أنّ أحيي فيك حرصك على ألا تقعي في معصية العقوق أو الغيبة، وهذا إنّ دل على شيئ دل على خير فيك والحمد لله، فأنت تتمتعين بنفس طيبة وأخلاق عالية.
ومما يبدو لي أنك فتاة حساسة ومرهفة المشاعر، وهذه الحساسية الزائدة لديك هي التي تسبب لك هذا الازعاج وتؤدي إلى سوء الفهم لكلام الوالدة الذي قد يكون كلام عادي وربما تفسرين أيضاً بعض التصرفات على غير تفسيرها.
ويتضح لي أيضاً أنّ الحل يسير لما تعانين منه، وخاصة أنك تعلمين ما يغضب والدتك، وهو تدخلك حين تواجه أختك مشاكل مع الناس، وأنت ترفضين وتعترضين على طريقة تصرف والدتك لأنها تقف بجانبها وتدافع عنها، وذكرت لنا وقلت" عدا هذا الموضوع تحبني كثيرا، ولا تغضب مني"، لذلك عليك أنّ تحافظي على هذا الحب والرضا .
فأنصحك -يا بنيتي- مهما كبرت الفجوة ومهما حصلت اختلافات في الرأي يضل الإحسان بالوالدة حق وواجب في ذات الوقت، والفوز في الدارين لمن فاز ببر والديه وخاصة الأم.
ومهما كانت شخصيتها، فالشرع أَمرنا أن نلتمس العذر لمن حولنا، فما بالك بأقرب الأقارب وهي والدتك؟ ولا أظنّ أنّ هناك صعوبة في معرفة الأشياء التي تجلب غضب الوالدة، فأرجو أن تبتعد عن كل ما يُثيرها ويغضبها.
وبالنّسبة إلى التَّفرقة: وأنّ أمك تعامل أختك الكبرى أفضل من تعاملها معك - كما ذكرت في استشارتك-: " أعاني منذ سنوات من مشكلة أمي التي تفضل أختي الكبرى علي"، أقول لك: انظري سبب تفضيلها لشقيقتك عليك، فقد لا يكون تفضيلاً أو تمييزًا بقدر ما هو رحمة لها، وربما تمرّ بمواقف تحتاج من والدتك أن تقف معها وتساعدها حتى تتغلب على تلك المواقف والمشكلات حتى تستقر حياتها وتنجح.
وأعتقد أنك لا ترين ما تفعل أمك لك بل تركزين فقط على ما تفعل لأختك، وربما طريقة تعامل أختك معها تشعرها أنها دوما بحاجة لها وأنت ربما تُشعرين والدتك أنك لست بحاجة لرعاية واهتمام.
أنصحك بالعذر لوالدتك بدلا من الحديث عن فعلها، وبذلك تخففين الضغوطات النفسية التي تعانين منها على نفسك واعلمي أن الشيطان يزين لك الخوض في مقارنتك بأسلوبها مع أختك ليحزنك، وليوقع الغيرة في قلبك.
وبخصوص ما ورد برسالتك من أنه عندما يحصل أي اختلاف في وجهات النظر مع والدتك فإنك تتألمين بشدة، وتبوحين بهذا الأمر لأختك الصغرى أو صديقتك.
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة حيث قال لنا: " أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره "،رواه مسلم والترمذي. وقد قال تعالى في كتابه الكريم: (ولا يغتب بعضكم بعضاً)، فالغيبة أن تذكر أخاك في غيابه بشيء يكره أن يقال عنه.
وعليه أقول لك:
إن كان ذكرك لوالدتك في غيابها عند من يقدر أن ينصحها لينصحها، والاستعانة بمن يرجى منه التأثير عليها لتغيير خطأ وقعت فيه، ولكي تعود إلى الصواب فهذا ليس بغيبة.
ومما لا ريب فيه كلنا نحتاج إلى الفضفضة من وقت إلى آخر، ونلجأ إلى أقرب الناس إلينا وإلى من نرتاح له نفسياً، ويفهم ما نحتاجه ويكتم أسرارنا، أما إذا كانت الفضفضة في أمور عامة وليست خاصة، فالأخت هي الصندوق الأسود.
كما ينصح علماء النفس بالفضفضة: لأنه يحصل فيها عملية تفريغ يشعر بعدها الإنسان بالراحة كأنه أزال حملاً كبيراً من على كتفه، بينما عدم الفضفضة تعني للمختصين الكبت والضيق الشديد وقد تؤدي إلى أزمات نفسية طاحنة وشحنات إنفعالية حادة يصعب السيطرة عليها.
تجنبي كل ما يُغضب أمك، وقومي بتقبيل يدها ورأسها كل يوم، واطلبي منها أن تسامحك على ما صدر منك، واحرصي أن تكوني بين يديها حين تكون في حاجتك.
كوني على مسافة واحدة من إخوتك وقريبة من مشاعرهم، وعادلة وموضوعية عن الخلاف، واحترام أسرارهم إذا ائتمنوك عليها.
تقربي من رب الأرض والسموات، وأشغلي نفسك بالطاعات والدعاء والتضرع إلى الله أن يؤلف بين قلبك وقلوب أمك وإخوتك.
وأخيرًا: يقول الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ: "لِكُلِّ شَيْءٍ جَوْهَرٌ، وَجَوْهَرُ الإِنْسَانِ الْعَقْلُ، وَجَوْهَرُ الْعَقْلِ الصَّبْرُ"، ويقول مصطفى السباعي: "ولا ينمو العقل إلا بثلاث: إدامة التفكير، ومطالعة كتب المفكرين، واليقظة لتجارب الحياة".
أسأل الله لك الهداية والتألق والتميز وأن يسود التآلف والانسجام حياتكم.