أشعر بتأنيب الضمير أني تركت بناتي في الصغر.
2020-09-13 06:22:47 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا متزوجة ومغتربة منذ 14 سنة، عانيت من عدم الاستقرار والكآبة نتيجة عدم اتفاقي مع زوجي في البداية، وألم فراق عائلتي وحياتي السابقة، لكن منذ 4 سنوات -ولله الحمد والمنة- استقرت أوضاعنا على جميع الأصعدة.
منذ 3 أشهر أصبت بأزمة شديدة عند بلوغ 40، عالقة في الماضي منذ تلك الفترة لا أتوقف عن مشاهدة صور بناتي وهما صغيرتان، لا أتذكر لحظات صغرهما، وهذا يشعرني بذنب قاتل، بكائي مستمر وكأني تركت قطعة من روحي منذ سنوات، أخاف من التقدم في السن وعدم تمتعي بهما، أخاف أن تكبرا وتهجراني، أخاف أن أموت وأتركهما، صارت هذه الأفكار هاجسا قاتلا، أحس بضيق شديد عندما أشاهد صورهما.
أتمنى لو يرجع الزمن إلى الوراء وأعتني بهما أكثر، أحس أني قصرت في حقهما، الجميع يتعجب من شدة خوفي وتعلقي بهما، صارت عندي عادة تصفح الصور والبكاء، أشتاق لصوتهما في الماضي، علما أنهما في عمر 14 سنة و11 سنة.
أخاف من المستقبل وأحن للماضي، أنا في عذاب شديد وتأنيب الضمير وخجل من الله الذي أنعم علي بهما وبحياتي المريحة ماديا.
دائمة الصلاة والأذكار وقراءة القرآن وطلب المغفرة من الله على هذا الذنب، وهو إنكار النعم التي لا تحصى، لكني عاجزة عن تجاوز حالتي، مرور الأيام بسرعة يخيفني، فأرجو المساعدة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Seyma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأشكرك على مشاركتك هذه.
أيتها الفاضلة الكريمة: رسالتك رسالة طيبة، وهي واضحة بذاتها، ومن المؤكد أنك شخص حسَّاس ورقيق، ولديك طابع وسواسي في التفكير، فما يُقلقك وما يُخيفك وما تتحسّرين عليه كلُّه يأتي في نطاق الوسوسة النفسية، والوساوس لها أشكال كثيرة، قد تكون أفكارًا حسَّاسة، قد تكون مخاوفًا، قد تكون شكوكًا، قد تكون طقوسًا، وأشياء كثيرة من هذا القبيل.
فأنت الآن شعورك بالأسى حول ما مضى - فيما يتعلق برعاية الصِّغار - لا مبرر له، لكن هكذا الوسواس دائمًا هو سخيف، وليس منطقيًا، وليس هنالك مبررًا أبدًا له.
فحقّري هذه الفكرة، لا تلومي نفسك أبدًا، لأن لومك المتكرر لنفسك ودون أساس منطقي أدخلك في هذا المزاج الاكتئابي، بالرغم من أنك امرأة محافظة على صلاتك، وحريصة على الأذكار وقراءة القرآن، وتُكثرين من الاستغفار، فجزاك الله خيرًا، سيري على نفس هذا المنوال، لكن في ذات الوقت لا بد أن ترتقي بفكرك المعرفي، وتحاوري ذاتك وتقنعي ذاتك أن هذا الفكر فكر سخيف. والحمد لله بناتك الآن أمامك ومعك، وأسأل الله تعالى أن يحفظهما، وتحرصين في تنشئتهما تنشئة صحيحة، وهذا هو المطلوب، وليس أكثر من ذلك.
لا تتحسّري على الماضي حتى وإن كان الماضي هو مستقبل الحاضر، ودائمًا المستقبل أفضل، فإذًا أنت لم تفقدي شيئًا أبدًا، هذا وسواس سخيف، أرجو أن تحقّريه، وألَّا تُعطيه أهمية.
أنا أعتقد أنك أيضًا وصلت عمر حرج نسبيًّا عند النساء، وبما أنه لديك تاريخ سابق يتجسّد في شيء من عدم الاستقرار النفسي؛ أعتقد أنك الآن تُعانين أيضًا من شيء من الهشاشة النفسية التي أدخلتك في هذه الوساوس وما نتج عنها من اكتئاب، لذا سيكون تناول أحد مضادات الاكتئاب التي تتميّز بعلاج المخاوف الوسواسية؛ سيكونُ أمرًا جيدًا.
إنِ استطعت أن تذهبي إلى طبيب نفسي فهذا أمرٌ مهمٌّ، وإن لم تستطيعي فتناولي عقار (سيرترالين) وهو من الأدوية الممتازة جدًّا لعلاج مثل حالتك.
السيرترالين له مسميات تجارية كثيرة، منها (زولفت) أو (لوسترال) وربما تجدينه تحت مسمَّى تجاري آخر. ابدئي بنصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – يوميًا لمدة عشرة أيام، وبعد ذلك اجعليها حبة واحدة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم حبتين يوميًا لمدة شهرين، ثم حبة واحدة يوميًا لمدة شهرين آخرين، ثم نصف حبة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء، السيرترالين من الأدوية السليمة والفاعلة وغير إدمانية، والتي لا تؤثّر على الهرمونات النسائية.
حاولي أن تستفيدي من وقتك، بل أحسني إدارة وقتك، كوني مُجيدة في عملك، احرصي على أسرتك وبيتك، ودائمًا الصلاة يجب أن تكون في وقتها، والحرص على الدعاء والذكر والدعاء وتلاوة القرآن.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.