أريد أن أبر بأمي وأتكاسل بسبب بعض تصرفاتها؟
2018-07-30 01:38:09 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أحاول أن أبر بأمي، ولكن لا شيء يحدث، تصرفات أمي بعض الأحيان تثير غضبي، أريد أن أبرها، ماذا أفعل؟ أشعر بالذنب كلما تكاسلت عن طاعةأوامرها، والأمر يقلقني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عابدة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يبصرك بالحق، وأن يعينك على نفسك، وأن يقودك إلى الصلاح لك في دينك ودنياك.
لقد لمسنا في حديثك حباً للتدين وحباً كذلك لأمك، مع ما تحتويه الرسالة من غضب بعض الأحيان منها، كما لمسنا كذلك خوفك من الله إن عققتها، وهذا يدل على خير فيك، نسأل الله أن تكوني أفضل مما نظن، إن بر الوالدة كما لا يخفاك واجب لها بغض النظر أحسنت الأم أم أساءت، لأن البعض -يا أختنا- يظن أن البر بالآباء مقابل ما يقدمه الآباء لهم، وهذا خلط عظيم وخطأ كبير.
أمك وإن أخطأت أو عصبت أو غضبت لها حق السمع والطاعة فيما يرضى الله تعالى، وأظن أنك متفقة على هذه النقطة لكنك فقط تسألين كيف أستطيع برها ساعة الغضب أو عند الكسل في تنفيذ أوامرها ونحن نجيبك من خلال النقاط التالية:
- يجب شحن النفس ترغيباً وترهيباً من مسألة برها، وذلك باستحضار بعض الآيات والأحاديث وكتابتها أمامك، ولا بأس بوضع بعضها في أماكن يكثر النظر فيها، من تلك الآيات والأحاديث ما يلي:
قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ وقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ أي: ليِّنًا طيِّبًا حسنًا بتأدُّبٍ وتوقيرٍ وتعظيم.
وقال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: أمَر الله تعالى عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحثِّ على التمسُّك بتوحيده؛ فإن الوالدينِ هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان؛ فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق.
من الأحاديث كذلك: ما رواه أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمَن، فقال: (هل لك أحدٌ باليمن؟)، قال: أبواي، قال: (أذِنا لك؟)، قال: لا، قال: (ارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذِنا لك فجاهد، وإلا فبَرَّهما)؛ (حديث صحيح).
كذلك ما رواه ابن ماجه عن جابر بن عبدالله: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح (يأخذ) مالي، فقال: (أنت ومالُكَ لأبيك)، فمثل هذه الآيات والأحاديث تقوي الجانب التديني عندك وهذا يدفعك إلى البر.
- الأمر الثاني المعين على البر هو استحضار قصص الصالحين مع برهم بآبائهم وأمهاتهم، ولو فتحت أي كتاب لوجدت آلاف القصص العجيبة في مسألة البر، بل نقول لك أختنا الكريمة ما وجدنا باباً أسرع إلى الجنة من بر الوالدين، ولا عجب إن كان هذا محط أنظار السلف ومن تبعهم بإحسان.
فهذا عبد الله بن عمر رضي اللهُ عنهُما يرى رجلاً يمانياً يطوفُ بالبيتِ، حَمَلَ أُمَهُ وراءَ ظَهرِهِ يَقُولُ: إني لها بعيِرُها المذَلَّلُ، إن أُذْعِرَتْ رِكَابُها لمْ أُذْعَرْ.
لقد جعل من نفسه مركوبًا لأمه يطوف بها ويحملها على عاتقه، حملته في بطنها تسعة أشهر، لكنه حملها سنين عددًا على ظهر، ذهب اليماني إلى ابن عمر وقال له: اللهُ ربي ذُو الجلالِ الأكبرِ، حمْلتُها أكثرَ مما حَمَلتْنِي، فهل تُرى جازيتُها يا ابنَ عمر؟ قالَ ابنُ عمرَ: لا، ولا بزفرةٍ واحدةٍ. وما قاله حق؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَجزي ولدٌ والدًا، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه).
- إذا أغضبت أمك تذكري أنها تحمل من الهموم ما لا تحملين أنت، وجسدها الذي كان قوياً يتحمل أصبح الآن هزيلاً يتعب، يا أختنا: إن كثيراً من الآباء والأمهات يخفون آلامهم على أولادهم حتى لا يحزنهم ذلك، وينامون والله أعلم بأحوالهم، لذلك عليك أن تلتمسي لها العذر، فالتماس العذر سيخفف حتما من كسلك في برها.
- أهم دواء عملي للكسل في البر: مصاحبة والدتك، هذا دواء ناجع، اقتربي منها كثيراً، اسمعي منها، أشعريها أنك صرت كبيرة لتفهمي الأمور وتحملي عنها بعض آلامها، سارعي -أختنا- في الوقوف والجلوس معها، فلعل دعوة تخرج من أمك لك تربحك الدنيا والآخرة.
- إذا حدث منك كسل في برها فسارعي بالاعتذار لها، واحذري أن تبيت ليلة وهي عليك غاضبة، ثم ابدئي بعمل مضاعف في البيت كعقاب لك ذاتي على ما وقعت فيه، ومعاونة لأمك على ما تلاقي من تعب، ونريدك أن تقرئي تلك الأبيات بقلبك:
لأمكِ حقٌ لو عَلمِتَ كثيرُ * كَثيِرُكَ يا هذا لدِيه يَسيِر
فكم ليلةِ باتتْ بِثُقلِكَ تَشتَكِي * لها من جَواها أنةٌ وزفيرُ
وفي الوضعِ لو تَدري عليها مشقةٌ * فمِن غُصصٍ منها الفؤادُ يِطيرُ
وكم غَسَلت عنَك الأذى بيمينها * وما حِجرُها إلا لديكَ سَرِيرُ
وتَفدِيكَ مما تَشتِكيِه بنفسِها * ومن ثديها شِربٌ لدَيكَ نَميرُ
وكم مرةٍ جاعتْ وأعطتكَ قوتَها * حناناً وإشفاقاً وأنتَ صَغيرُ
فآهٍ لذي عقلٍ ويَتبِع الهوى * وآهٍ لأعمى القلبِ وهو بَصيرُ
فدُونَكَ فارغبْ في عَمِيمِ دُعائِها * فأنتَ لما تدعو إليه فَقيرُ
نسأل الله أن يحفظك وأن يعينك على برها، والله الموفق.