أشعر أن حياتي سرقت مني وانتهت قبل أن تبدأ، فماذا أفعل؟
2018-05-03 01:15:36 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا فتاة بلغت 31 عاما، بلا حياة بمعنى الكلمة، لا عمل، لا طموح، ولا أعرف حتى كيف أحدد ماذا أريد في الدنيا.
كنت أيام الدراسة الجامعية شخصية اجتماعية طموحة مجتهدة، ولكن بعد انتهاء الدراسة ضغطت علي والدتي في مساعدة أختي الكبرى في تربية ابنها؛ لأن لديها عمل تخشى أن تفقده، وبالمقابل ضحيت أنا بعشر سنوات من عمري مقابل طفليها اللذين أنجبتهما، وإذا اشتكيت لوالدتي كانت تغضب مني، وتذكرني بأن الله لن يرضى عني إذا أغضبتها وقصرت بحق أختي.
النتيجة حاليا أن أختي لديها بيت وعائلة، ووالدتي لديها وظيفتها، وأنا خسرت كل شيء، حتى أخاف أن أقدم على عمل وأنا بدون خبرة، وكل ما درسته ذهب مع تربية الأطفال، أصبحت شخصية انطوائية، أجلس في المنزل، وأخاف من فكرة أن أعمل؛ لأني سأفشل، أو غالبا من تكرار رفض أصحاب العمل لي لسني وقلة خبرتي.
بالإضافة للعديد من المشاكل التي صدمتني بأشخاص قريبة مني، وللأسف اهتزت ثقتي بنفسي بسببها، وأشعر بالانكسار رغم أني ظُلمت فيها، ومن ظلموني يعيشون حياة سعيدة.
وحاليا دائمة المرض، تظهر لي حبوب ودمامل ليس لها سبب طبي حسب قول الطبيب، وأشعر أن الله يعاقبني على أشياء فعلتها في الماضي، علاقات أو تصرفات، ولكني تبت عنها، ولكن لا زلت أعاني في الدنيا.
آسفة للإطالة، لكن وصلت لمرحلة لا أدري ماذا أفعل بحياتي؟ صدمت بعمر 31 سنة، لا عمل، لا زواج، ومريضة، ولا أعرف من أين أبدأ، وأتوقع دائما أن تحدث لي أشياء سيئة، وتحدث بالفعل، حتى قلت أفراحي، وأشعر أن حياتي سرقت مني، انتهت قبل أن تبدأ.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
- كوني على يقين أن كل شؤون بني آدم تسير وفق ما قضاه الله وقدره عليه، كما قال سبحانه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
- اعلمي أن الإنسان ليس مجبرا على السير في طريق معين، بل إن الله تعالى بين لعباده طريق الخير وأمرهم باتباعه، وبين لهم طريق الشر وأمرهم باجتنابه، فقال تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا).
- الإنسان قد يسلك مسلكا يؤثر عليه في حياته، ويكون في علم الله أن هذا الإنسان سيفعل كذا فيكتب عليه ذلك، ويحدث ما قضاه الله تعالى، ومن ذلك أن الله علم أنك ستضعفين أمام أمك وأختك وسترضخين لإرادتهما، فاستسلمت لمسألة تربية ابن أختك، فحدث لك ما تعانين منه الآن.
- أحيانا قد يعجز الإنسان عن تقديم الاستشارة في الوقت المناسب، فيكون لذلك تبعات سيئة كما حصل معك، وفي الحديث السابق: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
- لا ينبغي أن يتسلل اليأس إلى نفسك، فما زالت الفرص أمامك موجودة، ولا زالت الأبواب مشرعة.
- التفاؤل خلق عظيم من أخلاق الأنبياء والرسل، فقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم، فروى الإمام أحمد في مسنده أنه: ( كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحسَنَ ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ)، والطِّيَرَةَ: هي التشاؤم بالشيء، وعند مسلم: (... وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ) ، وعند البخاري: ( وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ؛ الْكَلِمَةُ الْحسَنَةُ).
- في زمن الحديبية وحين قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد قريش ليصالحوه، رأى فيهم سهيل بن عمرو، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد سهل أمركم).
- علاج اليأس والقنوط هو إعادة صياغة الحياة على التفاؤل، وحسن الظن بالله، والنظر إلى الحياة بتفاؤل، واستبدال الرسائل السلبية التي كبلتنا عن الانطلاق، وتحمل الصعاب برسائل إيجابية، وأمعني معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من شرب الخمر، فقال الصحابة: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، لما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان، محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه، وتدفعه نحو التغيير، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصورين نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال، فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن الفرارون، قال: بل أنتم العكارون يعني المنحازون إلى قائد الجيش.
- اكسري القيود والأغلال التي كبلت بها نفسك، واخرجي من الانطواء، فليس هو بحل بل يزيد الطين بلة، والبدن علة.
- اختلطي بأسرتك، وكوني اجتماعية وتواصلي مع صديقاتك واختلطي بهن، وكوني على ثقة أنك ستنطلقين ولن تفشلي في كل أمور حياتك، والفشل والإخفاق في بعض الأمور وارد على كل الناس، فقد ذكر الله تعالى عن خيرة خلقه بعد الأنبياء وهم أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام أنهم فشلوا (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
- لا تستجِرِّي الماضي إلى حاضرك، فلذلك تبعات سلبية كثيرة، وعليك أن تعيشي الحاضر وتفكري في المستقبل بإيجابية وتفاؤل وأمل.
- أنصحك أن توثقي صلتك بالله تعالى، وأن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فالحياة الطيبة لا تستجلب إلا بالإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
- أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
- أنصحك أن تلتحقي بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم، ففيها ستحفظين ما تيسر من القرآن وتتعرفين على رفقة صالحة، ويزداد بسببها إيمانك، ولعل ذلك يكون سببا في أن ييسر الله لك زوجا صالحا.
- تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي الله تعالى أن ييسر أمورك وأن يرزقك الزوج الصالح، ويعينك على تكوين أسرة صالحة، وكوني على يقين أن الله سيستجيب لك، فالله حين أمرنا بالدعاء وعدنا بالإجابة فقال: (وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ) وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
- أحسني الظن بالله أثناء الدعاء، ففي الحديث القدسي يقول الله جل في علاه: (أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء فإن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًا فله) والمعنى كما قال القرطبي في (المفهم): قيل معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكًا بصادق وعده، ويؤيده قوله في الحديث الآخر: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
- في المثل يقال: (إن البلاء موكل بالمنطق) فآمل ألا يصدر منك إلا الكلام الطيب، يعقوب حين قال لأبنائه: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) ابتلي بأن أبناءه كادوا ليوسف وأتوه قائلين: (يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)، ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رجلٍ يعُودُه، فقال: ((لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله))، فقال: "كلا، بل حُمَّى تفور، على شيخٍ كبيرٍ، كيما تُزِيرَه القبورَ"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فنعم إذًا))، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فحفظ المنطق، وتخير الأسماء من توفيق الله للعبد.
- أفضل ما يدخل السرور على القلب القرب من الله ولذلك قيل: (من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد).
- أرى أن تبحثي عن طبيب أكثر تخصصا وأوسع شهرة من الذي ذهبت إليه، فإن التخصص الدقيق أكثر تخصصا من غيره، والحاصل على الماجستير أكثر تخصصا من صاحب البكالوريوس، وصاحب الدكتوراة أفضل والبروفيسور أفضلهم جميعا.
- ارقي نفسك صباحا ومساء بما تيسر من القرآن والأدعية المأثورة، وامسحي على جسدك فالرقية نافعة -بإذن الله-؛ لأنه إن كان الطبيب حاذقا ومختصا ولم يكتشف أي سبب للمرض، فيمكن أن يكون ذلك عينا، ومن أفضل علاجات العين الرقية.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك الشفاء والتوفيق.