محرومة من العمل والزواج والسعادة، أرشدوني لحل مشكلتي.
2018-03-29 01:01:30 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 27 سنة، لم أتزوج بعد لعدم تقدم أحد لخطبتي، لم يكن هذا الأمر يزعجني مسبقا، ولكن بدأت أشعر أنه من الصعب أن يتم خطبتي قريبا، حيث أني لا أعمل حالياً، وليس لدى عائلتي معارف.
ليست هذه هي المشكلة وحدها، أنا تخرجت في كلية الهندسة سنة 2013، ومنذ ذلك الحين لم أعمل إلا لمدة سنتين فقط، كلما حاولت أن أبحث عن عمل بمجالي أفشل في اجتياز المقابلة، حيث أنه يتطلب تطوير ذاتي بالدورات اللازمة، ولكني فشلت بعد العديد من المحاولات أن أستوعبها، حاولت البحث عن عمل في أي مجال آخر فلم أوفق.
منذ 3 أشهر تقريبا وأنا أعاني من شعور الخوف الشديد والقلق المستمر وعدم القدرة على التركيز، وأشعر أن عمري يضيع هباء، مع العلم أني مواظبة على أداء كل فروضي والنوافل وقراءة القرآن يوميا.
كلما أستيقظ أشعر بضيق شديد في التنفس يستمر طيلة اليوم، بدأت أشعر بنار داخلي كلما وجدت أحدا من أصدقائي أو أختي يذاكر أو ينجز شيئا، وهذا بعيد جدا عن شخصيتي، فأنا دائما كنت أحب الخير للناس، وأساعدهم وأدعو لهم باستمرار للوصول لما يتمنونه.
أصبحت لا أتحدث مع أحد إلا عائلتي، أرتاب كلما حدث شيء جديد في حياتنا، وما يساعد هذا الإحساس في الازدياد أن كل من أخي وأختي لا يعملان، وهما أكبر مني، وأخي لم يسبق له العمل من قبل، أشعر أن عائلتي فاشلة، عكس جميع الأُسر الأخرى.
انطفأت ضحكتي وسعادتي، وأشعر أن لا رجعة لها، وهذا يقتلني كل يوم، بدأت أشعر أنه إذا ربنا أراحني وقبض روحي سيكون خلاصي من هذا العذاب، حيث أني أعاني أيضاً منذ زمن من القولون العصبي، يجعلني أستفرغ مباشرة بعد الأكل، وأشعر بذنب كبير لهذا.
علما بأن أختي وصفت لي دواء للتقليل من القلق والتوتر بحكمها طبيبة، ولكن لم يفعل شيئا، ولا أعتقد أنه سوف يأتي بأية نتيجة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نهال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
- إن كل أمور الإنسان تسير وفق قضاء الله وقدره، لا يتخلف من ذلك شيء، يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
- الزواج رزق من الله تعالى، ولا يستطيع الإنسان أن يتحكم به أبدا، وسوف يأتيك رزقك -بإذن الله تعالى- في الوقت، وبالشخص الذي قدر الله أن يكون من نصيبك.
- لا تيأسي من رحمة الله، وظني به خيرا، ففي الحديث القدسي يقول ربنا جل شأنه: (إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا يَقُولُ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).
- التفاؤل مبدأ مهم في الحياة، ولذلك حثنا ديننا عليه، فمن النصوص التي تعلمنا وتحثنا على التفاؤل قول ربنا جل في علاه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).
من الأحاديث التي تحثنا على التفاؤل قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) وقوله: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) وفي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا).
- لقد كان التفاؤل سمة من سمات شخصية نبينا -عليه الصلاة والسلام- وهو أسوتنا وقدوتنا كما قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، ومن صور التفاؤل وحسن الظن بالله ما جرى أثناء هجرته عليه الصلاة والسلام، إذ قال له أبو بكر -رضي الله عنه- حين دخلوا في الغار، وجاء المشركون يبحثون عنهما، ووصلوا إلى باب الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
- لقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التفاؤل، فعن خَباب بْنِ الأَرَتِّ ـ رضي الله عنه ـ قال: ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟، قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ).
- كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم، فروى الإمام أحمد في مسنده أنه : ( كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحسَنَ ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ). والطِّيَرَةَ: هي التشاؤم بالشيء. وعند مسلم: (... وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ) ، وعند البخاري: ( وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ؛ الْكَلِمَةُ الْحسَنَةُ).
- في زمن الحديبية وحين قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد قريش ليصالحوه، رأى فيهم سهيل بن عمرو فقال عليه الصلاة والسلام: (قد سهل أمركم).
- لا تيأسي ولا تقنطي، وإن انتابك شيء من ذلك فعلاجه هو إعادة صياغة الحياة على التفاؤل وحسن الظن بالله، والنظر إلى الحياة بتفاؤل، واستبدال الرسائل السلبية التي كبلتنا عن الانطلاق، وتحمل الصعاب برسائل إيجابية، أمعني معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من شرب الخمر، فقال الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، لما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان، محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه وتدفعه نحو التغيير فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصورين نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال، فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن الفرارون، قال: بل أنتم العكارون يعني المنحازون إلى قائد الجيش.
- كوني على يقين أن قضاء الله وقدره خير للمؤمن، أحب ذلك أو كره، قال قتادة: فَرضِي رجل بِمَا قسم الله لَهُ فَإِن قَضَاء الله لِلْمُؤمنِ خير من قَضَائِهِ لنَفسِهِ وَما قَضَى الله لَك فِيمَا تكره خير مما قَضَى لَك فِيمَا تحب.
- أكثري من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة، وأحسني الظن بالله أثناء الدعاء، ففي الحديث القدسي يقول الله جل في علاه: (أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء فإن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًا فله) والمعنى كما قال القرطبي في (المفهم): قيل معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكًا بصادق وعده، ويؤيده قوله في الحديث الآخر: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
- أكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).
من تمام إيمان العبد أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخبه ما يحب لنفسه من الخير).
- أنصحك وعائلتك أن ترقوا أنفسكم صباحا ومساء بما تيسر من القرآن الكريم والأدعية المأثورة، فإني أخشى أن تكونوا قد أصبتم بالحسد، ولو وجدتم راقيا أمينا وثقة ليشخص حالتك وحالة إخوانك فشيء حسن، ولتكن رقيتك ورقية أختك بحضور أخيك.
- وثقي صلتك أكثر بالله تعالى واجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فالحياة السعيدة لا تستجلب إلا بالإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
- أكثري من تلاوة القرآن الكريم وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، والله الموفق.