فقدت ثقتي بنفسي بسبب مشاكل والدي الدائمة!
2016-12-04 04:29:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 15 عاما، منذ ولادتي وأمي وأبي بمشاكل وخلافات، هذه المشاكل هي سبب انعدام ثقتي بنفسي، وسبب خوفي واكتئابي، أصبحت دائما أبكي وبلا سبب، الجميع يسألني عن سبب بكائي ولماذا أنا دائما وحيدة، ويقولون ليس عندها شخصية!
أخاف من التحدث مع الآخرين ولا أعلم لماذا! أنا آخذ قرارتي بنفسي لأنني لا أجد أحداً أستشيره، دائما متوترة وخائفة وقلبي ينبض بسرعة شديدة، وأصبحت دائما أتمنى لأبي الموت، لأنني لم أجد أي راحة معه، يكرهني ويتعامل معي بعنف، ودائما يقول غلطتي أن لدي ابنة مثلك، يحب أولاده من زوجته الثانية وأنا يكرهني، ما السبب؟ لا أعلم!
أبي سبب في أمراض والدتي، أخاف أن أتحدث معه في أي أمر من الأمور، أخاف أقول لأحد مشاكلي، ومستحيل!
وهذه أول مرة أكتب مشكلة لي، وللأسف أكتب وأنا أرتجف من الخوف، دائما أفكر بالانتحار! أنا أعلم أنه حرام، لكن لم أستطع أن أمسك نفسي، وحاولت مرتين وفشلت لأنني أشعر أن لا فائدة من حياتي، ولم أجد سوى المشاكل، وغيري سعيد.
درجاتي في الدراسة انخفضت لأنني لم أعد أستطيع العيش، فلماذا أعيش في هذه المشاكل؟! لماذا لا أموت وأتخلص من هذه المشاكل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ جوري حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -ابنتي الكريمة- في الشبكة الإسلامية وردا على استشارتك أقول:
أود أن أضع بين يديك بعض الموجهات والتي قد تزيح عنك بعض ما تعانينه وتنير طريقك:
ـ الله تعالى أوجدنا في هذه الحياة من أجل غاية واحدة وهي عبادته سبحانه وتعالى، وهذه حقيقة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فقال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فلم لا تشغلي نفسك بهذه الحقيقة وتستعيضي بالأنس بجوار الله وفي ظل عبادته بدلا من الأنس بجوار المخلوق، ولهذا يقول بعض الصالحين: (من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد).
ـ هذه الحياة كلها مكابدة ولا تصفو لأحد من الناس ولو صفت لأحد لصفت لخيرة خلق الله وهم الأنبياء والرسل ثم الصالحون، واقرئي في سيرهم ستجدين أنهم عانوا معاناة شديدة والله تعالى يقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)، أي لقد خلقنا الإنسان في شدة وعناء من مكابدة الدنيا.
ـ لماذا تحصري نظرك على ذاتك ولا تنظري لمن حولك ولما يعانونه في هذه الحياة، فإنك لما حصرت نظرك على ذاتك أظلمت الدنيا في وجهك، ولو نظرت لمن حولك لعلمت أن الله فضلك على كثير ممن خلق تفضيلا، فانظري للأيتام وانظري إلى اللقطاء الذين لا يعرفون أما ولا أبا، وانظري إلى من هجروا من أوطانهم بعد أن قتل آباؤهم وأمهاتهم وهدمت بيوتهم فصاروا بلا أب ولا أم ولا مأوى، وانظري إلى من أصيب بحادث فصار مقعدا لا تتحرك إلا لسانه، وانظري إلى من بترت أعضاؤه ...إلخ، فلو نظرت لذلك لكنت شاكرة لله تعالى، ولهان عليك مصابك.
ـ والدك مهما قسى عليك فسيبقى والدك، ويجب عليك أن تبري به وتحسني إليه، والله تعالى قد أمرنا بالإحسان إلى الوالدين لاتصافهما بهذه الصفة وليس لغيرها، فقال سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، ففي هذه الآية عطف حق الوالدين على توحيده سبحانه وقال: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ )، وفي هذه الآية عطف بر الوالدين على أهم مأمور به وهو عبادة الله ليدل على أهمية حقهما.
ـ الوالد سبب في وجود الإنسان في هذه الحياة، ولذلك أمر الله بمصاحبته بالمعروف حتى لو كان كافرا فقال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ).
ـ لا يجوز لك أن تدعي على والدك بالموت بل ادعي ربك أن يهديه ويلهمه رشده ويرزقه العدل بين أبنائه، فلعلك توافقين ساعة استجابة فيستجيب الله لك، فقارني بين موته إن مات وهو ظالم وبين هدايته وعدله بين أبنائه واعترافه بخطئه في التعامل معك، أليست الثانية أفضل! ثم أليس إذا سمعك تدعين عليه سيتأذى من ذلك؟ أليس هذه الكلمة أشد أذية عليه من كلمة (أف) التي تعني التضجر؟! وأمعني النظر في قوله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).
ـ أتمنى يا ابنتي أن تشغلي نفسك بالتحصيل العلمي، وأن تجعلي همتك عالية لتنالي الدرجات العالية وتنتقلي للدراسة الجامعية، وتنالي أرفع الشهادات العلمية وفي التخصص الدقيق فأمتك بحاجة إليك، واجعلي من معاناتك نقطة للانطلاق والتميز، وهل التميز يولد إلا من رحم المعاناة! وكم من الناس كانت بداياتهم محرقة لكن كان مستقبلهم مشرقا!
ـ والدك وإن ظلم أمك أو ظلمك فهو من سيتحمل تبعات ذلك في الدنيا قبل الآخرة، فلا تقابلي الإساءة بإساءة ولكن قابليها بالحسنى، وعاملي الناس بما تحبين أن يعاملوك به.
ـ لا تجعلي الماضي يكبلك عن الانطلاق إلى الأمام، ولا يتسبب لك في الإحباط النفسي والانطواء أو الشعور بالاكتئاب أو الحزن، ولا تلجئي للبكاء فكل ذلك لن يقدم ولن يؤخر بل سيزيد حالتك سوءا، فعيشي حياتك بشكل طبيعي وابني علاقاتك مع الخيرات من زميلاتك وهوني على نفسك، فمفاتيح حياتك بيدك أنت لا بيد غيرك.
ـ أشغلي أوقاتك بكل مفيد ورتبي أوقاتك ترتيبا صحيحا، وحافظي على أداء الصلاة في أوقاتها، وأكثري من نوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة فذلك سيقوي إيمانك ويجلب لك الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ـ أكثري من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فهما من أسباب تفريج الهموم وكشف الكروب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكفى همك ويغفر ذنبك).
ـ أتمنى أن تعملي بهذه الموجهات وأن نسمع عنك خيرا في القريب العاجل، ولا تترددي في الكتابة إلينا في أي وقت، فنحن في الشبكة الإسلامية سند لك ولأمثالك، وما فتح هذا الموقع إلا من أجلكم.
وأسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.