فكرة الخلود في الجنة ترهقني وتشعرني بالملل، أقنعوني بالحقيقة.
2015-10-25 01:54:19 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فكرة تدور في خاطري منذ مدة طويلة ولم أتجرأ على طرحها، وحتى عند طرحها لم أجد الجواب الشافي، ألا وهي مسألة الخلود في الآخرة، حتى وإن كان في الجنة، لم أستطع استيعاب الفكرة، لطالما تعودنا أن لكل شيء نهاية، أرجو إجابة مقنعة وشافية، فهي ليست مشكلة بسيطة، فقد أرهقتني إلى أقصى حد.
مرضت كثيرا، وصرت أذهب إلى الطبيب النفسي، جسدي تعب من مضادات الاكتئاب، أوشكت على الجنون، لا أحد يقنعني، حتى أوصاف الجنة لا تطمئنني، أخاف من الملل في الجنة، البحث عن إجابة صار شغلي الشاغل، حتى أنني أدخل إلى عدة مواقع.
أنا مؤمنة، لكن أحيانا عندما لا أستطيع الصمود، أقول أن الاندثار بعد الموت أفضل، وأقول لأمي: لماذا أنجبتني؟! وأحيانا أشفق على الصغار لأنه سينتهي بهم الحال إلى الخلود.
أنا طالبة طب، وليس لدي وقت فراغ، وهذه المسألة تعيقني، أترجاكم أريد حلا جذريا لأفكاري، فأنا مريضة ومرهقة، أريد إجابة من القرآن والسنة، فالآيات التي تصف الجنة لا تقنعني، وأنا عنيدة وصعبة الإقناع، أرجو أن تتفهموا وأن تفرجوا كربتي، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك – ابنتنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك الهداية، وأن يشرح صدرك للإيمان، ويُجنبك نزغات الشيطان.
لا ندري من أين نبدأ الحديث معك في هذه الدقائق اليسيرة، ولكن الحياة بعد الموت دلَّ عليها دليل العقل ودليل النقل، فالقرآن مملوء بالآيات التي تُحدثنا عن الحياة الآخرة، وهو لا يُحدثنا بذلك حديثًا مُجرَّدًا، بل يُقيم الأدلة والبراهين العقلية على صحة ما يُخبر به، وما أكثرها في كتاب الله تعالى، فقد أرشدنا الله تعالى إلى أدلة اليوم الآخر بأساليب متنوعة.
فقد أخبرنا عن إحياء بعض الموتى في هذه الحياة التي نراها، فنحن نرى الأرض تكون هامدة، ميتة، لا حياة فيها ولا أحياء، فيُنزل الله عز وجل المطر فتُنبت هذه الأرض زرعها وشجرها، فالذي أحياها هو الذي يُحيي الموتى يوم القيامة.
ومن ذلك النوم واستعادة الحياة الكاملة بعده، ومن ذلك خلق المخلوقات العظيمة التي هي أكبر من هذا الإنسان، فخلق السموات والأرض أكبر وأعظم من إعادة هذا الإنسان بعد موته، كما قال الله: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
ومن الأدلة على إمكان البعث بعد الموت الخلق الأول لهذا الإنسان، فالذي خلقنا أول مرة هو الذي يُعيدنا بعد ذلك، وهذا هو الجواب الذي أجاب الله تعالى به مُنكري البعث، وقال سبحانه: {وهو الذي يبدء الخلق ثم يُعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض}. وقال تعالى: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يُحيي العظام وهي رميم * قل يُحيها الذين أنشأها أول مرة وهو بكل خلقٍ عليم} وقال: {كما بدأنا أول خلقٍ نُعيده * وعداً علينا إنا كنا فاعلين}.
فهذه كلها أدلة دامغة تدل على الحياة بعد الموت، ولكن هؤلاء الأحياء لا يبقون بعد الموت إلَّا بإبقاء الله تعالى لهم، فإنهم ليسوا خالدين بأنفسهم، ولكنَّ الله تعالى هو الذي يُبقيهم ويُديمهم، وهذا الدوام لأهل الإيمان في الجنة من أعظم الأماني التي تتمنَّاها النفوس المؤمنة، بل كل النفوس تتمنَّى دوام النعيم، تُحِبُّ الخلود، حبٌّ فطريٌّ لدى الإنسان، فكيف إذا كان خالدًا في نعيم مهما وُصف لنا في هذه الدنيا لا نستطيعه ولا نقدر على تصوره.
والعجب العُجاب تخوفك من الملل في الجنة، فإن أهل الجنة كما وصف الله تعالى ووصف نبيه -صلى الله عليه وسلم- في نعيم لا عناء فيه ولا مشقة، فهم أصحاء لا يمرضون، شباب لا يهرمون، {لا يمسّهم فيها نصبٌ وما هم منها بمخرجين}، {الحمد للهِ الذي أذهب عنَّا الحزن * إن ربنا لغفور شكور}، {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخوانًا على سُررٍ متقابلين}، {لا يذوقون فيها الموت}؛ فكيف تتخوفين بعد ذلك من مثل هذه المخاوف؟!
لا شك – أيتها البنت الكريمة – أن الشيطان حاول أن يتسلط عليك، وأن يشغلك بما يضرك، وكان الأجدر بك والأولى أن تشتغلي بما ينفعك عند الله تعالى، وأن تستعدِّي لهذا المصير، وأن تعملي بما يُنجيك من عذاب الله تعالى، وأن تستعدِّي للقائه لتنعمي هذا النعم.
نسأل الله أن يأخذ بيدك إلى كل خير.