أبي يسيء إلى أمي ويظلمها ولا يقبل النصيحة، فماذا أفعل؟
2013-10-07 03:12:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
أنا فتاة عمري 15 سنة، وأنا أكبر إخوتي وأخواتي الثمانية.
المشكلة هي أن والدي يعامل والدتي أسوأ معاملة، ويقذف عرضها، ويسبها بأقذر الكلمات، ولا يبالي وإذا خرجت من المنزل لأمر ضروري، فهو يقوم بمراقبتها، ويتوهم ببعض النساء اللاتي قد يراهن يركبن في سيارة بأن أمي إحداهن، ويقوم بمطاردة السيارة، وهو أيضاً لديه اسم شخص يسب أمي به دائماً، ويقول إن أمي خانته معه، وأمي امرأة شريفة وطاهرة، والدليل أن كلامه متناقض دائماً، وفي كل مرة لديه كلام جديد يناقض الذي قبله، وأنا أضطر إلى سماعه، حيث إن ذلك يحدث أمامنا، فلا أستطيع تحمل هذا الكلام، وأشعر بأن كل كلمة تكون جمراً في قلبي حزناً على أمي، فهي لا تقصر معه أبداً رغم كل ما يفعله، وتمارضه إذا مرض، وهي إنسانة مؤمنة وصابرة، بينما هو مقصر معنا، حتى في هوية إثباتنا بسبب إهماله، لدرجة أن بعضنا قد فقد دراسته، رغم أننا متفوقون ولكن بسبب موضوع الهوية، وإذا حدثناه بهذا الموضوع؛ قام وألقى اللوم على أمي المسكينة، وألبسها ثوب أخطائه، وقد يعتدي عليها بالضرب، عدا أنه لا يدعها تذهب لزيارة أهلها حتى في يوم العيد، وإذا جاء خالاتي إلينا يقوم بطردهم، وأنا دائماً أغضب عليه، وأخاصمه خصاماً شديداً بسبب قهري منه، لدرجة أني أكره أنه والدي، وأتمنى لو أني يتيمة، فهو لا يستحق أن يكون مسئولا عن زوجة وأولاد وهو بهذه الأفعال القبيحة.
سؤالي: أنا أشعر بالضيق والخوف من الله عندما أرفع صوتي عليه، وأخاف أن يحرمني ربي الجنة بسبب هذا الأمر، ولا أستطيع تمالك أعصابي، فالذي يحدث منه ليس بالشيء القليل، فحياتنا معه شبيهة بالموت، ودائما ما أقوم بنصحه بأن يتقي الله، ولكنه عنيد ومتكبر ولا يقبل النصيحة، فماذا أفعل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ar. ra. ga. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك على هذه الرسالة، ونؤكد لك أنها وجدت منا اهتمامًا كبيرًا جدًّا، ونأخذها (حقيقة) بمصداقية وبشفافية، لأن ما ورد فيها ليس بالأمر السهل.
قطعًا لا يجوز أن نتهم طرفًا بالمرض دون أن نقوم بفحصه، ولكن من أجل أن يكون هنال نفع لك ولأسرتك، وليقيني بأن ما ذكرته لا بد أن يكون صحيحًا، أقول لك: إن والدك يعاني من مرض يسمى بـ (الغيرة المرضية)، وهو نوع من الظنان أو الشكوك أو الأفكار الاضطهادية التي تكون مستحوذة تمامًا على فكر الإنسان، وهذه الحالات لا بد أن تعالج، وبكل أسف معظم هؤلاء الذين يعانون من هذه الحالات يرفضون الذهاب لمرافق العلاج بحجة أنهم غير مرضى، ولكن أعتقد أنك يمكن أن تلعبي دورًا إيجابيًا، فأنت الأكبر بين إخوتك، وقطعًا تحبين والدك مثلما تحبين والدتك حتى وإن كان يُسيء إليها.
فيمكن أن تكون هناك مداخل جيدة، أن تقولي له: يا والدي، نحن نراك مجهدًا، ونراك متعبًا نفسيًا، وهذه العصبية والتوترات التي تأتيك ليست من طبعك أبدًا، لماذا لا تذهب وتقابل الطبيب؟ فهناك الآن أمراض اكتئاب، وهناك أمراض قلق، وإن أردتني أن أذهب معك فسوف أذهب معك، أنا مستعدة لذلك تمامًا، وهكذا.
إذًا تسوقي له فكرة العلاج دون أن يُتهم بأنه مريض، لأن الاتهام بأنه مريض لن يكون مقبولاً، ويمكن أيضًا أن يستفاد من أحد أصدقاء الأسرة خاصة إذا كان من أرحامكم وأقربائكم، وإنسان يسمع له، وتقدر كلمته، ويمكن أن يكون هذا أيضًا مدخلاً جيدًا، بأن يقول له نفس الشيء: نحن نرى بأنك عصبي، وأنك منهك، لماذا لا نذهب إلى الطبيب ونقوم ببعض الفحوصات؟
أنا حريص جدًّا أن تعالج مثل هذه الحالات، ولكن أرجو ألا يقال لوالدك إنك مريض، ولا يقال له بأن أحد الأطباء قد نصحونا ومن خلال إسلام ويب، فهذا ليس صحيحًا، لأن الأصل في الأمور هو أن يتم فحصه، وهذا بالطبع غير متاح، ولن يخاطبنا، وفي ذات الوقت نرى أن هنالك التزامًا أخلاقيًا من جانبنا في الموقع بأن نساعد الناس، وأن نكون نافعين بقدر ما نستطيع.
وأنت من جانبك حاولي أن تطمئني إخوتك الصغار بأن هذه الخلافات تحدث في الأسر، وأبي يحب أمي، ولكنه قلق نفسيًا، لذا يقوم بهذه التصرفات وهكذا، بمعنى أن تحاولي أن تكوني على شيء من الحيادية، وأن تلطفي الجو، وهذا يجب ألا يصرف انتباهك عن دراستك، وعن اهتمامك بتربية إخوتك، والمساعدة في ذلك، وفي ذات الوقت كوني مؤازرة لوالدتك، ولكن دون أن تُسيئي لوالدك.
وأعتقد بأن هذا هو الموقف الذي يجب أن تتخذيه، - وإن شاء الله تعالى - بعد أن يتلقى والدك العلاج؛ كل هذه الأفكار سوف تختفي وتنتهي تمامًا، وهذه الحالات تستجيب للعلاج بصورة معقولة جدًّا.
هذا هو الذي أنصحك به، وأسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد.
_________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم - استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان -، وتليها إجابة الشيخ أحمد الفرجابي - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية -.
__________________
نحن نرحب بك - ابنتنا الفاضلة -، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، ونسأل الله أن يزيدك حرصًا وخيرًا، ونعم البنت أنت في حرصك على الوالدة وفي شفقتك عليها، ونعم البنت أنت أيضًا في حرصك على الوالد، والذي نتمنى أن تدركي بأنه أب، وهذا ما تشعرين به، ولكن ينبغي أن تدركي أن من حقوق هذه الأبوة ألا ترفعي صوتك عليه، وأن تجتهدي في الصبر عليه، ولتكن الوالدة لك قدوة فقد صبرت، وهي أول من يتأذى، وأول من تُصاب بالمشاكل، فأعينيها بصبرك أيضًا، وبتفهمك للذي يحدث، ولا مانع من أن توفري لوالدتك دعمًا معنويًا وتشجيعًا ذاتيًا، وتذكيرها بأفضالها وبجمائلها وأدوارها، وبأنها لا تبالي طالما كان بينها وبين الله عامر، وطالما كانت هي أعرف بنفسها من زوجها الذي إذا قال مثل هذا الكلام إنما يسيء لنفسه قبل أن يُسيء لها.
وأعجبني وأسعدني أيضًا ما أشار إليه الدكتور بضرورة أن تُشكلي برنامج حماية لإخوانك، حتى يشتغلوا بدراستهم، وحتى يعرفوا أن المشاكل موجودة في كل البيوت، وأن عليهم أن يتفهموا هذه المسائل، وأن بين الوالد والوالدة عشرة طويلة أكبر من مثل هذه التفاهات والمشاكل التي تصدر بين الفينة والأخرى.
وندعوك أنت وإخوانك إلى الاهتمام بإخوتك الصغار، وأيضًا الاحتفاء به، وإعطائه حقه من الاهتمام، فأنا أعتقد بأن جزءا كبيرًا جدًّا من المشكلة هو أنكم تلتفون حول الوالدة، وتهتمون بها، وتغتمون بحزنها، وتتأثرون بما يحدث لها، وهذا يجعل الوالد يتوتر، لأنه يشعر أن الذرية التي تعب وأنتجها وجاء بها تنحاز للأم وتتركه وحيدًا.
نحن نقدر أن الأطفال يبتعدون عن الأب عندما يقسو على الأم، وعندما يرفع صوته، وعندما يفتعل المشاكل، ولكن أيضًا نتفهم أن الوالد بحاجة إلى أن يقترب منه الأبناء والبنات، وأن يجتهدوا في بره، والإحسان إليه، والتقرب إليه، والسعي في طلب رضاه، والشرع يأمرك أن تحسني إلى الوالدة ولا تعصي الوالد (أطع أباك ولا تعص أمك) كما قال الإمام مالك رحمة الله عليه لمن سأله، فالإنسان مطالب أن يُحسن للأم وألا يسيء للأب؛ لأن هذا هو الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
ونتمنى أن تستفيدوا من توجيهات الطبيب فهي في مكانها، وعمومًا القرب من الوالد والإحسان إليه وتلطيف الجو معه ومحاولة تحسين الصورة، وأن تقولي خيرًا، وأن تنمي خيرًا، فهذا هو المطلوب، بأن تقولي له: (الوالدة تشكرك، وتذكرك، وتذكر أيامك الجميلة، وتذكرنا بأنك الأب، وأنك من تعب)، وتقولين للوالدة أيضًا: (الوالد في لحظات الصفاء يشكرك، ويمدحك، ويثني عليك خيرًا)، وعليكم أن تعمروا البيت بالذكر والإنابة وتلاوة القرآن، حتى يخرج الشيطان الذي يُشعل هذه المشاكل.
وعلى الوالدة أيضًا أن تتفادى كل ما يثير شكوكه وظنونه، فإن الإنسان إذا كان عنده هذا الشك؛ فإن الزوجة ينبغي أن تتعامل معه بمنتهى الوضوح.
عمومًا نحن نتمنى ألا ترفعي صوتك على الوالد، وأنت على يقين بأن هذا لا يغير في الحقيقة شيئا، ولكن عليك أن تتعاملي مع الوضع بهدوء، وتعوذي بالله من الشيطان الذي يريد أن يجعلك تكرهين الوالد وتبغضينه، وهذا كله لا ينبغي أن يصدر منك، وما ينبغي أن يظهر منك، وتأكدوا أن ظهور مثل هذه المشاعر لن يزيد النار إلا اشتعالاً، ولن يزيد الأمور إلا تعقيدًا، فالشرع يريد أن نبالغ في إكرام الوالدة، وتشجيعها، والإحسان إليها، والشرع أيضًا يريد أن نحسن للوالد، ونقترب منه، ونلبي طلباته، ونكون إلى جواره.
وأنت - ولله الحمد – ناضجة، وكبيرة في معرفة أسباب هذا التوتر والأسباب الفعلية، بمعنى لو كنت صديقة للوالد، واقتربت منه أكثر، وحاولت أن تتفهمي نفسيته، فسيظهر لك الكثير من الأسباب الخفية التي تزيد النار اشتعالاً.
فقد يكون بُعد الوالدة عنه، أو تقصيرها في إعطائه حقه الشرعي، أو عدم مشاورته في بعض الأمور، أو الخروج من غير إذنه، أو معاندته في بعض الأشياء، أعني أنه قد تكون هناك أسباب وجيهة أيضًا عند الوالد تستحق أن تستمعي إليها وتتفهميها، وربما كان مجرد الاستماع إليها، ومجرد الجلوس إلى جواره، وحسن الاستماع يخفف المسألة.
نحن نطالب بحسن الاستماع حتى لو أمرنا الوالد بالمخالفة فإنا لا نفعل، ولكن الأمر كما قال الله: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إليَّ}.
نسأل الله أن يعينك على إقامة الشرع في علاقتك بوالدك، ونؤكد لك أن الإحسان للوالد سيؤثر جدًّا على العلاقة التي بينه وبين الوالدة، وسيتيح لك فرصًا أكبر في النصح والكلام والمشاورة، وفي تنفيذ أيضًا ما أشار إليه طبيبنا الفاضل، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.