الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بسمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الخوف الذي أصابك ناتج من مشاعر إنسانية طيبة ورقيقة، والخوف يُكتسب ويتم تعلمه مثله مثل أي شيء آخر، وما مررت به من تجارب عزز لديك فكرة الخوف، فالصديقة التي حكت لك عن وفاة ابن خالتها الفجائية، وما تبع ذلك من تأخر في حضور الجثمان، هذا حدث كبير جدًّا ليس بالصغير، ولسبب ما رسّخ في وجدانك الخوف، وبما أن الموضوع يتمركز حول الموت وبصورة مفاجئة، هذا عزز لديك الخوف وجعله ليس خوفًا عموميًا، إنما خوف خاص، ثم بعد ذلك أتت فاجعة موت الصديقة العزيزة وتحت ظروف محزنة، هذا الحدث قطعًا مثَّل جرعة إضافية تعزيزية لتقوية نواة الخوف لديك، وكان الحاصل النهائي لهذه الظواهر النفسية هي أنك أصبحت تتخوفين من الموت ومن ركوب السيارات، حيث إن السيارات هي مصدر الحوادث، وأصبح يأتيك الفكر الوسواسي القلقي التوقعي، وجعلك بهذه الصورة التي أنت عليها الآن.
لكن -الحمد لله تعالى– أنت أيضًا أدركت الطرق العلاجية، وهي أنك وثقتِ صلتك بالله تعالى رب العالمين، فهو خير حافظ، والأذكار من وجهة نظري هو علاج عظيم لمثل مخاوفك هذه، بشرط أن يكون هنالك تدبر وتأمل وتفكر.
أحكي لك قصة بسيطة عن نفسي: ركبتُ الطائرة لأول مرة في شهر ديسمبر عام 1980، وكانت متجهة من مدينة الخرطوم في السودان إلى لندن، وكنتُ خائفًا جدًّا من ركوب الطائرات، وبفضل من الله تعالى قرأ الطيّار دعاء الركوب، وهذا الطيَّار معروف وموجود -بفضل الله تعالى– حتى اليوم، واسمه (شيخ الدين) وهو رئيس الطيارين للخطوات الجوية في السودان في ذاك الوقت، قرأ دعاء الركوب، ثم بعد ذلك عند لحظة الإقلاع قال وبصوتٍ جميل: {بسْم الله مَجْريها ومُرساها}، وصدّقيني -أيتها الفاضلة الكريمة– كأن فتحًا عظيمًا قد أتاني في تلك اللحظة، وشعرت أنني في أأمن مكان في الدنيا، هذا ليس مبالغة، وأنا أعرف الكثير الذين يتأملون في هذه الأذكار، ويدققون فيها، ويكون مستوى استيعابهم لها عاليًا، لأن الاستيعاب على المستوى الوجداني والفكري والمعرفي هو الذي يجعل الإنسان يتفهم الأمور على حقيقتها، ويأخذ بها، فأرجو أن تنتهجي هذا المنهج.
الخوف من موت الفجاءة، أو أن ينام الإنسان ولا يستيقظ، فالنوم هو الموتة الصغرى، والوفاة هي الموتة الكبرى، تصوري -أيتها الفاضلة الكريمة– الدعاء الذي علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم– حين ننام: (باسمك ربي وضعتُ جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)، أو دعاء: (اللهم إني أسلمتُ نفسي إليك، ووجهتُ وجهي إليك، وفوضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت) لا أعتقد أنه سوف تكون هنالك رهبة بعد ذلك، خاصة وهذا الدعاء الأخير من قاله فمات مات على الفطرة كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم–، وما دام الموت حقّ، فالإنسان يطلب من الله تعالى في تلك اللحظة أن يرحمه، وإن أصبح واستيقظ يسأل الله تعالى أن يحفظه، ويقول: (الحمد الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور) أو يقول: (الحمد لله الذي رد إليَّ روحي وأذنِ لي بذكره) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
ليس هنالك أجمل من ذلك، ليس هنالك شيء مطمئن للإنسان أكثر من ذلك، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، إن في ذلك الاطمئنان الكبير العظيم، فأرجو أن تنتهجي هذا العلاج السلوكي، وهذا جميل ويكفي.
وشيء آخر: لا مانع أن تتناولي دواء بسيطًا جدًّا مضادًا للمخاوف، هذا الدواء يسمى (سبرالكس) واسمه العلمي (استالوبرام)، تناوليه بجرعة خمسة مليجرام –أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام– لمدة عشرة أيام، ثم اجعلها حبة كاملة لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة ليلاً لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوع آخر، ثم توقفي عن تناول هذا الدواء.
أؤكد لك مرة أخرى أنه سليم وغير إدماني، وسوف يزيل عنك الخوف تمامًا، أرجو أن تعيشي حياتك بكل نشاط واقتدار وإدارة للوقت بصورة ممتازة، وانظري علاج الخوف من الموت سلوكيا: (
259342 -
265858 -
230225)، وآداب النوم: (
277975).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.