حرص الأب الشديد وخوفه على بناته... وكيفية التعامل معها
2011-10-18 09:31:01 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أطرح مشكلتي وهي كالآتي:
عندما كان أبي شاباً كان سيئ الخلق (يسكر ويعربد، ويلعب القمار مع رفقاء السوء ويرافق بنات) يفعل ما حرم الله معهن، ولكن عندما تزوج أمي، وأصبح لديه أولاد وبنات هدأت نفسه قليلا وهداه الله، وعندما أصبحنا كبارا أصبح شديدا معنا خوفا من أن نصبح مثله عندما كان شابا، وبصراحة تامة لا أحد من أولاده يحبه ولا يطيق طريقة تعامله؛ فهو ينعتنا بالأغبياء، ويقول لنا كلاما يمس الكرامة والشرف.
ولكن كان مع ذلك يعطينا حرية، ولكن ليس بالشكل المطلق، وسأقص نقطة تحول معاملة أبي معنا وهي كالتالي:
لدي أخت أكبر مني قليلا كانت لطيفة وانطوائية بعض الشيء، وبسبب معاملته السيئة وتشدده بالدين انحرفت، وأصبحت ترافق شباناً في الجامعة، وحصل ما حصل مع هؤلاء الشبان، وسمع أبي ما حصل لها، وعندها أصبح متشددا أكثر بالنسبة لنا نحن البنات، وبالنسبة لأخوتي الشباب لم يعد يتشدد عليهم بل جعلهم جواسيس علينا، يراقبون تحركاتنا وتصرفاتنا، ويقول لهم أن يذهبوا ويتعرفوا على بنات، ولا مشكلة لديه، ويستجيب لمطالبهم، ولا يستجيب لمطالبنا نحن البنات، حتى أنه منعنا من الدراسة في الجامعة، والعمل بعد الانتهاء من الدراسة وحتى زيارة الأقارب منعنا على أنها اختلاط، وفيها مفاسد مع أن أولاد خالاتي وأخوالي وأعمامي لا يجلسون معنا، ولا حتى يعرفوننا لأننا لا نذهب إليهم كثيرا، حتى أحسست أنه لا يريد أن تطأ قدمنا خارج المنزل ويدل على ذلك منعه لنا من حفظ القرآن في المراكز.
والمصيبة الكبرى بأني لم أعد أطيق العيش في المنزل، وأفكر بصراحة بترك المنزل لأنني إن بقيت مع أهلي فسوف أفعل كما فعلت أختي وأفقد عقلي، وأترك ديني، وذلك في بيت لا يعمه سوى الظلام والصراخ ليل نهار، والكلام الذي يجرح، وسؤالي: ماذا أفعل؟ أريد أن أعيش شبابي وحياتي بالعمل، وليس وأنا جالسة في المنزل كالدواب التي تأكل وتنام.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عهود الاسلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبًا بك ابنتنا العزيزة في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك النجاح والتوفيق في دنياك وآخرتك.
لا شك أيتها البنت العزيزة أن تصرفات الوالد مع بناته غالبًا ما تكون بدافع الحرص عليهنَّ والاهتمام بمصالحهنَّ، والأب مهما كان شديدًا فإن قلبه جُبل على محبة أبنائه وبناته، فهذه فطرة الله تعالى التي فطر عليها الناس الأسوياء.
وأبوك ما دام قد صلح حاله وهداه الله تعالى بالتزام الدين فإن الظن به أنه يحرص على رعاية بناته وتجنيبهنَّ ما قد يؤدي بهنَّ إلى الوقوع في حبائل الشيطان والمعصية، ومن ثم فهو حريص على تجنيبهنَّ كل أسباب الفتنة، وهذا الحرص والخوف متفهم من قبلنا وهو مستساغ شرعًا، فهو يشعر بالمسئولية الموقعة على عاتقه، وأن الله عز وجل سائله عن رعيته وعن بناته، ومن ثم يسعى لحفظ هؤلاء البنات بقدر استطاعته، فتصرفاته إذن بدافع الشفقة والرحمة والقيام بالمسئولية، ولا ينبغي أن تُفهم بغير هذا أيتها البنت الكريمة.
ونحن على ثقة أيتها البنت العزيزة أنك كلما ظهر عليك آثار التدين والصلاح والاستقامة، وكلما رأى منك أبوك الالتزام بدينك والوقوف عند حدود الله تعالى كلما ازدادت ثقته فيك وابتعدت نفسه عن الشكوك، ولن يحتاج لكثير من متابعة أمورك.
ومن ثم فنصيحتنا لك وهي نصيحة من يحب لك الخير ويتمنى لك السعادة: أن تصلحي علاقتك بالله تعالى، فتمتثلي أوامره التي أمرك بها، فتؤدي الفرائض التي كلفك بها، سواءً فرائض الصلاة أو فرائض الحجاب التي كلف الله عز وجل بها نساء المؤمنين، وتبتعدي عما حرَّم الله تعالى، ومن ذلك المخالطة للرجال الأجانب بغير الالتزام بالضوابط الشرعية، أو الحديث مع الرجال الأجانب بما فيه خضوع ولين، فإذا ظهر هذا الالتزام في تصرفاتك، فإن هذا سيدعو إلى ثقة والدك فيك، وستجدين أن الرقابة عليك تخف تلقائيًا، وتصبحين موضع ثقة الأب وتقديره.
فلا نرى أيتها البنت الكريمة ما يدعوك إلى كل هذا القلق والرغبة في الخروج من البيت والتفكير في تركه، بل نرى بأن هذه الهواجس مصدرها الشيطان يريد أن يفسد عليك دينك ودنياك، ولذا فنحن نحذرك تمام التحذير من الانصياع لهذه الهواجس والجري وراءها، فربما تندمين حين لا ينفع الندم، فوصيتنا لك أن تحسني ظنك بوالدك، وأن تمتثلي ما أراده الله عز وجل منك، وكوني على ثقة بأن الله عز وجل إذا رضي عنك وأحبك سيقذف في قلوب الآخرين محبتك، وهذا وعد الله الذي لا يتخلف، فقد قال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًّا}.
وإذا رأى منك الوالد الالتزام والتدين وأمن عليك من الوقوع في حبل الشيطان ربما أذن لك حينها أن تعملي عملاً يتناسب مع المرأة، وإذا لم يكن كذلك فإن الخير لك إن شاء الله في طاعة والدك وترك العمل، وما دمتِ مكفيّةً فينبغي أن تُكثري من حمد الله تعالى وشكره.
والله الموفق.