المريض النفسي.. استجابته للعلاج وإمكانية زواجه وإيجابيته في الحياة ونظر الناس إليه
2011-02-08 09:53:06 | إسلام ويب
السؤال:
الدكتور محمد عبد العليم! لطالما كنت من متتبعي استشاراتك في ميدان الطب النفسي، لذا أريدك أن تجيبني على بعض الأسئلة التي تدور في خاطري من خلال مشوارك في هذا الميدان:
- ألا ترى أن الأمراض النفسية مثل الوسواس والاكتئاب مزعجة جداً؟ وأن الإنسان يفقد فيها توازنه وحكمه على الأمور، وأن الوصمة الاجتماعية فيها - ولو قليلاً - نوع من المصداقية؟
- كثيراً ما تنصح أصحاب الأمراض النفسية بالزواج صراحة دون تردد، بينما هنالك أطباء تفهم من كلامهم أنهم يترددون في اتخاذ هذا القرار.
- من خلال مجال عملك في الغرب، كيف ينظر الغرب للمريض النفسي؟
- أيضاً من خلال عملك: هل هناك شباب أرادوا الزواج من فتيات مصابات بأمراض نفسية مثل الاكتئاب أو القلق أو غيرها؟ وهل كانت هناك معارضة من طرف الأهل؟ وهل تحقق هذا الزواج؟ وهل ندم من اتخذ القرار؟
- وأخيراً: هل الذين يبعثون لك استشاراتهم عبر البريد العادي ترد على أسئلتهم؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وعلى طرحك لهذه الأسئلة الجيدة.
الأمراض النفسية ليست واحدة، حتى المرض النفسي ذو التشخيص الأوحد تجد أن منه أطيافاً، وأنه درجات، وأنه يتفاوت في أعراضه من إنسانٍ إلى آخر.
بالنسبة للأمراض النفسية، مثل الوساوس والاكتئاب، لا شك أنها إذا كانت من النوع الشديدة أو المتوسطة فهي أمراض مزعجة جدّاً، والوسواس القهري من الحالات المزعجة جدّاً لصاحبه؛ لأن محتوى هذه الوساوس كثيراً ما يكون غير متوافق أبداً مع المنظومة القيمية للإنسان.
الوساوس القهرية قبل ثلاثين عاماً مثلاً كان يصعب علاجها تماماً، وقد كان العلاج فقط محاولات سلوكية، وكانت نسبة النجاح لا تزيد عن خمسة عشر إلى عشرين بالمائة، وبعد أن ظهر عقار أنفرانيل في منتصف السبعينيات تحسنت نسبة الشفاء من هذا المرض، والآن الحمد لله تعالى بعد ظهور الأدوية المستحدثة، والمعرفة والإلمام المكتسب حول طبيعية الوساوس وعلاقتها بكيمياء الدماغ، أصبحت فرص النجاح والشفاء من المرض كبيرة جدّاً، ونفس التطور حصل بالنسبة للاكتئاب النفسي.
المشكلة تقع كثيراً في أن بعض الإخوة الذين ابتلوا بهذه الأمراض لا يتبعون التعليمات بصورة دقيقة، فمثلاً في علاج الوسواس ستين إلى سبعين بالمائة من الجهد هو جهد سلوكي، والأدوية تساعد وتمهد وتُكمل الرزمة العلاجية، لكنها ليست الوسيلة العلاجية الوحيدة.
الإنسان قد يفقد توازنه النفسي حين يُصاب بهذه الأمراض وتكون حادة أو شديدة الوقع عليه، ولكن حكمه على الأمور لا يختل، فهذه الأمراض لا تؤدي إلى أي خلل في الحكم على الأمور، بل يكون الإنسان مرتبطاً بواقعه، حتى مريض الوسواس تجد أنه يؤمن بسخف الفكرة، ويعرف أنها ناشئة منه وليس هنالك أي شخص متسلط عليه ليؤثر عليه من خلال هذه الأفعال أو الأقوال أو الطقوس، وهذا هو الفرق ما بين المرض العقلي الذهاني والأمراض العصابية، والوساوس في الأصل هي من الأمراض العصابية وكذلك الاكتئاب، وإن كان هنالك حالات نادرة من الاكتئاب تعرف بالاكتئاب الذهاني، في مثل هذه الحالة يختل حكم الإنسان على الأمور.
الوصمة الاجتماعية شكلت عائقاً كبيراً، وحرمت الكثير من الناس للتقدم لمراكز العلاج، والوصمة الاجتماعية معظمها قائمة على معلومات مغلوطة، وقد ساهم بعض المشعوذين والدجالين وكذلك الغير مؤهلين للتعامل مع هذه الحالات في تثبيت هذه الوصمة، ولكن بفضل من الله تعالى، ثم نسبة لارتفاع درجة الوعي ونسبة للفعالية العلاجية للطرق الجديدة في العلاج، أعتقد أن هذه الوصمة قد قلت لدرجة كبيرة، وأصبح الناس يأتون بكل طواعية وأريحية طالبين للعلاج.
بالنسبة للنصيحة بالزواج، أنا حقيقة أكرمني الله تعالى بأن أكون في إحدى اللجان الكبيرة الخاصة بتحديد الصلاحية بالزواج في المكان الذي أقيم به، وقد أكسبني هذا خبرة كبيرة في هذا المجال، وأستطيع القول أنه لا يوجد مرض يمنع الإنسان من الزواج ما دام الإنسان يفهم ويعرف المتطلبات الأساسية للزواج، ولا يشكل خطورة على الزوج أو الزوجة.
الأمر -أخي الكريم- هو أمر نسبي، حتى حالات التخلف العقلي من الدرجة البسيطة يمكنهم الزواج، وحالات الفصام التي تم التحكم فيها يمكنهم الزواج.. وهكذا، والزواج في كثير من الحالات قد يكون مساعداً للإنسان بأن يكون في شيء من الراحة والطمأنينة والسكينة، ولكن الذي يهم وهو ضروري أن لا تُخفى أي معلومات حول حالة هذا الشخص حين يتقدم للزواج من فتاة، أو يأتي أحد يطلب يد فتاة من ولي أمرها إذا كان لديها علة، لابد أن يعرفها الطرف الآخر، وأفضل طريقة هو أن تؤخذ المعلومات بعد استئذان الطرفين من الطبيب المعالج، أي أن المصدر يجب أن يكون مصدراً مهنياً ذا مصداقية.
بالنسبة لنظرة الغرب للمريض النفسي، فهي أفضل من وضعنا في بلداننا، وإن كان لدينا -الحمد لله- الكثير من تصحيح المفاهيم الآن والتحسن حول الرؤيا حول الأمراض النفسية، وأعتقد أن ما قدمته المدرسة البيولوجية – أي بعد الاكتشافات والمستحدثات الخاصة بكيمياء الدماغ وأن معظم الأمراض النفسية هي بيولوجية المنشأ – أعتقد أن القبول أصبح أكبر في الدول الغربية، وأصبحت النظرة إيجابية جدّاً، وهنالك حرص كبير على حقوق المريض النفسي، وثقافة الناس في هذا السياق متقدمة جدّاً، وهذا –حقيقة- ينقصنا كثيراً.
بالنسبة لموضوع شباب أرادوا الزواج من فتيات مصابات بأمراض نفسية، نعم أعرف الكثير، وأعرف من تقدموا ونجحت زيجاتهم، وفي بعض الحالات يكون الزوج أيضاً لديه علة، فمثلاً: هناك شاب مصاب بمرض الصرع يريد أن يتزوج بواحدة مصابة بالقلق النفسي أو الرهاب الاجتماعي، فهذا لا يمنع، ولكن لا يمكن أن ننصح واحداً مصاباً بالرهاب الاجتماعي أن يتزوج أخرى مصابة بنفس علته، فالاكتئاب لا أرى أنه يمنع الزواج أبداً، على العكس تماماً، لكن يجب أن يُحسن اختيار الزوج أو الزوجة.
القلق النفسي هو طاقة حتى وإن تسلطت على الإنسان بصورة سلبية، ولكن يمكن أن يحولها إلى طاقة نفسية إيجابية مفيدة، وهو لا يمنع الزواج.
بالنسبة للاعتراض من طرف الأهل، هذا في الغرب غير موجود بالطبع إذا كانت الفتاة موافقة، وقد تعدت السن القانونية، فليس هنالك اعتراض، أما في بلداننا فالاعتراض أحياناً قد يأتي نسبة للغموض أو عدم اتضاح الرؤية، أو شح المعلومات حول الحالة، أو شعور الأسرة والأهل بشيء من الحرج ليسألوا الزوج عن علته إذا تقدم لابنتهم، وأعرف أن هنالك من ندم على اتخاذ قرار الزواج من شخص مريض، لكنها فئة قليلة.
أشكر لك تواصلك وأسئلتك الجميلة هذه، أما بالنسبة للاستشارات على البريد العادي فأنا لا أمانع في ذلك، ولكن أقول لك بكل شفافية: أنني كثير المشاغل، وأنني لستُ مجيداً للطباعة لدرجة جيدة، وأنا دائماً أحب أن أسترسل في إجاباتي وأعطي معلومات كافية كاملة، لذا ربما يكون هنالك صعوبة في الإجابة على البريد العادي، أما الإخوة في إسلام ويب – جزاهم الله خيراً – فقد يسروا لنا عن طريق التكنولوجيا أن تكون الإجابة مستفيضة عن طريق التسجيل الصوتي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب.