السؤال
عمري 22 سنة، والحمد لله شكلي الخارجي جيد جيداً بشهادة الآخرين، وكذلك المضمون، لكنني بالرغم من ذلك أمر بفترات أكره فيها نفسي وشكلي وأشعر بالاشمئزاز من شكلي! وتارة أخرى أعجب بها!
فلماذا يحصل هذا معي؟!
عمري 22 سنة، والحمد لله شكلي الخارجي جيد جيداً بشهادة الآخرين، وكذلك المضمون، لكنني بالرغم من ذلك أمر بفترات أكره فيها نفسي وشكلي وأشعر بالاشمئزاز من شكلي! وتارة أخرى أعجب بها!
فلماذا يحصل هذا معي؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور الهدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك الرضا بما قسم لك، وأن يجعلك من عباده الصالحين ومن أوليائه المقربين.
حقيقة أنا لا أعلم إذا كنت ذكراً أم أثنى؛ لذا سوف أجيب بصيغة العموم.
فبخصوص ما ورد برسالتكم من أن الله تبارك وتعالى قد أنعم عليكم وتفضل عليكم بشكل خارجي جيد جدّاً بشهادة الآخرين وكذلك المضمون، ولكن رغم ذلك تمرون بفترات تكرهون فيها أنفسكم وشكلكم وتشعرون بالاشمئزاز من الشكل، وتارة أخرى تعجبون بهذا الشكل، فلماذا يحصل هذا معكم؟
هذه المسألة إنما هي نوع من فقدان الثقة في النفس، وذلك إما أن يكون نتيجة تربية غير متكاملة، حيث إن الإنسان يشعر بأنه دائماً هناك من هو أفضل منه وأنه أقل من غيره شأناً وأقل منه قدراً ومنزلة، رغم أنه على خير كما ورد في الرسالة من أن الشكل الخارجي جيد جدّاً، وقد يكون أيضاً هو نتيجة عدم التفاعل الاجتماعي مع الناس بطريقة تجعل الإنسان ينمي مهارات أخرى في نفسه تكون هي محل إعجاب الناس وتقديرهم، فإن هناك من يُعجب بالشكل، وهناك من يُعجب بالأخلاق، وهناك من يعجب بالسلوك، وهناك من يُعجب بترتيب العقل والذكاء والإدراك، وهناك من يُعجب بالتميز العلمي، وهناك من يُعجب بالذوق فيما يتعلق بتنسيق الملابس والألوان وترتيب الملابس الظاهرة، بل هناك من يُعجب حتى بقصة الشعر، فإذن ليس الإعجاب وحده فقط منصباً على الشكل الجسدي، وإنما هذا أحد دواعي ومظاهر الإعجاب، وإلا فمن الممكن أن الإنسان ينمي مهارات عنده تجعل الإعجاب مركزا عليها، في حين أنه قد يكون هناك مهارات أخرى ولكنها تقل، كثير من الناس أصحاب الإعاقات مثلاً لم يتقنوا فن الرسم، فيصبح الرسم مصدر الشورى بالنسبة له، ويتغلب على الإعاقة بل وينسى أنه معاق؛ لأنه يجذب احترام الناس وتقدير الناس من هذه المهارة التي نمَّاها، بعضهم مثلاً قد يكون متقنا للحفظ كالقرآن الكريم وغيره ويبرز في هذا الفن حتى ينسى الناس مع شدة براعته ونبوغه أنه معاق أو أنه مثلاً غير مبصر.
كذلك أشياء كثيرة جدّاً في حياتنا، ولذلك التركيز على ناحية واحدة فقط واعتبار أنها هي مصدر الجاذبية هذا خطأ، بل إنه على العكس قد أكون أنا متواضعاً في جوانب ولكن أستطيع أن أنمي مهارات أخرى في حياتي تكون هي محل الإعجاب وتجعل الناس لا ينتبهون لهذا الأمر، فغالب علماء الإسلام الكبار كانوا عجماً وليسوا عرباً، ورغم ذلك تميزوا عندما أتقنوا العلوم الشرعية وعندما درسوا بمهارة وإتقان وتجلدوا وصبروا، ففرضوا أنفسهم على العالم، بل إنا نسمع في التاريخ عن الأعمش ونسمع عن الأبطس، ونسمع عن الأعرج، ونسمع عن الأصم، هؤلاء ناس أصحاب عاهات في العموم ورغم ذلك فرضوا أنفسهم على العالم، والناس إلى اليوم يقرءون كلامهم ويقفون أمامهم في غاية الانبهار، وهذا الجاحظ -مثلاً- كان يسمى لجحوظ عينيه، لم يمنعه من أن يكون أديباً عملاقاً كاتباً رائعاً متميزاً.
فإذن أقول -بارك الله فيكم-: القضية الأساسية أننا أحياناً قد نقع في أننا نحبس أنفسنا في شيء واحد أكرمنا الله تبارك وتعالى به ونرى أن هذا الشيء هو أساس التعامل مع الناس، وهذا خطأ.
حتى إذا فرضنا أن الشكل متواضع، ولكن من الممكن -بفضل الله تعالى- أن تكون الأخلاق والمعاملة الحسنة هي مسار الجاذبية، ولا يلتفت الناس حقيقة لمسألة المظهر بجوار الأخلاق الرائعة التي تسحب الناس وتجذبهم بالقوة إلى الشخصية، وأنا رأيت كثيراً حقيقة في الحياة الزوجية امرأة في غاية التواضع الجمالي وزوجها قد يكون آية في الجمال، ورغم ذلك لا يفرط فيها ويرى أنها أفضل من أجمل امرأة في العالم، والسبب: أنه مقتنع بها، أن فيها عامل جذب آخر خارجياً نحن لا نعرفه، في تعامل الرجل معها يرى أنها بالنسبة لغيرها من النساء أنها فوق الناس جميعاً، في حين أنها لو وقفت وجئنا لنحكم عليها من الظاهر لوجدنا أنها في غاية التواضع، ولعله لا ينظر لها أحد، يعني أنا شخصياً أعرف حالة من هذه الحالات كنتُ أتعجب فيها، الرجل - ما شاء الله تبارك وتعالى – كالقمر والمرأة - سبحان الله – كأنها زنجية، ورغم ذلك – سبحان الله – كانت حياتهم في قمة الاستقامة وفي قمة السعادة ولم أشعر يوماً أبداً بأن هذا الفارق في المنظر كان منفراً أو أدى إلى حدوث مشكلة فيما بينهما، بل على العكس كنتُ أرى الرجل يحترمها ويقدرها، وحقيقة يتعامل معها بشيء من الإعجاب والتقدير والاحترام المذهل.
فإذن أقول: لماذا نركز على شيء واحد ونقول: إن هذا هو مسار لجذب الناس لنا وإعجاب الناس بنا؟! فما دام الشكل الخارجي -الحمد لله- جيد جدّاً إذن لماذا هذا التقلب؟ هذا معناه عدم القناعة بما أنا عليه وأنا على نعمة، فإذن لو أني كنت معاقاً مثلاً كما لو كنت مثلاً مشوهاً أو عندي بعض العيوب الخلقية فماذا كنتُ سأفعل؟
ولذلك إن المشكلة التي أمامنا الآن هي مشكلة فقدان الثقة بالنفس، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا قاعدة عظيمة جدّاً في معالجة هذه المسألة فقال: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، لو أنا رضينا بالشكل الذي أكرمنا الله به لكنا سعداء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ليس الغنى عن كثيرة العرض ولكن الغنى غنى النفس)، لو أني مقتنع بنفسي ومتأقلم مع ذاتي لا يعنيني حقيقة نظرة الناس لي، المهم أنا مستريح نفسيّاً، ولكن عدم الراحة النفسية معناه أني غير مقتنع بنفسي، وعدم قناعتي بنفسي هذه مشكلة، لأنها تؤدي إلى أزمات نفسية شديدة وقد تؤدي إلى نوع من الاكتئاب وتصاب بالتوتر وقد تصل إلى الوسواس القهري وقد تؤدي إلى الانهيار النفسي -وإلى أشياء كثيرة- ولذلك:
ينبغي أن نطرد هذه الفكرة تماماً، وأن نعلم أننا على خير، وأن ما أكرمنا الله تبارك وتعالى به فهو خير كثير بالمقارنة إلى غيرنا، ننظر إلى من هو أقل منا جمالاً لنرى أننا -بفضل الله تعالى- على خير وفي نعمة عظمى بالمقارنة بغيرنا، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا فقال: (انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تَزْدروا نعمة الله عليكم)، دائماً ينبغي أن ينظر الإنسان إلى من هو أسفل منه، سيرى أن هناك الكثير جدّاً محروم من نعم كثيرة هو أُكرم بها.
كما أني أنصحك بقراءة بعض الكتيبات الموجودة في السوق والتي قد تفيد في هذا الجانب، وهو كتاب (كيف تزرع الثقة في نفسك) للدكتورة هالة السبيعي، وهي أستاذة بجامعة قطر، وهذا الكتاب يباع في المكتبات عندنا بالدوحة، بعنوان (سلسلة النفس المطمئنة)، وهذا الكتيب هو الجزء الرابع.
هناك أيضاً كُتيب آخر بعنوان (كيف تواجه تصرفاتك السلبية)، هذا أيضاً للدكتور عمرو حسن بدران، وهذا أيضاً موجود في مكتبة جرير بالدوحة.
أيضاً هناك كتاب بعنوان (كيف تبني ثقتك بنفسك) لنفس المؤلف الدكتور عمرو حسن بدران.
هذه الكتب يمكن أن تعيد أو تعين على إعادة الثقة في النفس وعلى اكتساب المهارات التي تؤدي إلى أن نكسب ثقتنا بأنفسنا وأن نكون مقتنعين بأننا على خير وأننا إلى خير وأننا أفضل من غيرنا كثيراً.
أيضاً نحتاج إلى الدعاء ونتضرع إلى الله تعالى بقولنا: (اللهم ارزقنا الرضا بما قسمت لنا، اللهم ارزقنا الرضا بما قدرت لنا)، وأنا واثق أنه بالدعاء مع الاطلاع على هذه الكتب، والنظر إلى من هو أسفل منا، سوف تنتهي هذه المشكلة تماماً ونكون من سعداء الدنيا والآخرة، وهذا ما أسأل الله أن يكرمنا وإياكم به.
هذا وبالله التوفيق.
شكرا بارك الله فيك كلام في غاية الروعة
بارك الله بك . بس خير الكلام ما قل ودل