الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس تذهب وتعود، فكيف أتخلص منها بصورة نهائية؟

السؤال

في طفولتي كنت أعاني من وسواس الطهارة في الصلاة، وبعد فترة عانيت من وسواس أني نسيت أن أكتب اسماً في الامتحان، أو أني نسيت سؤالاً ...وهكذا، ولكن تلاشى الأمر، وفي مدة عشر سنوات اختفت هذه الوساوس -بفضل الله- ثم منذ خمسة أشهر اكتشفت أني أعاني من دوالي الخصية درجة أولى، وهرمون التيسترون لدي منخفض.

تعاملت مع الأمر بشكل طبيعي، وبسبب زيادة وزني وهكذا، لكن بعد أن خطبت الفتاة التي أحبها جاءت لي وساوس صعبة جداً، وجميع أنواع الوساوس مرت عليّ أني عقيم أو أني سأعاني من ضعف، مع أني جيد.

جلست لمدة ٣ شهور أبحث في الإنترنت عن هذه الأعراض، وأقرأ تجارب أناس، وبمعنى أصح: دخلت في دوامة أنا السبب فيها، وضيعت ٣ شهور في العبث لحدٍ ما!

في أحد الأيام استيقظت مع نوبة هلع، وشعور بالغربة والخوف، ووسواس أني سأفقد عقلي، ولكن -بفضل الله- داومت على قراءة سورة البقرة، والاستغفار، والصلاة الإبراهيمية، وتناولت عقار (فافرين ٥٠) لمدة أسبوعين، والآن عقار (١٠٠)، بقي لي ثمانية أيامٍ و-الحمد لله- الوضع تحسن بنسبة كبيرة، وقرأت في النت أني مخاطبة العقل الباطن تؤثر بشكلٍ إيجابيٍ بأني سأرجع أحسن من الماضي.

منذ يومين قرأت عن انسحاب الدواء النفسي، وأنه قد يسبب أعراضاً مثل الهلوسة أو أشياء في الذاكرة، فعادت لي الوساوس أشد وأصعب، وبقيت أختبر نفسي، يعني مثلاً: إذا بعث أحد لي رسالة على الواتساب أبقى خائفاً أترقب، ويتهيأ لي التوقع لحدوث شيء ما.

هذا الشعور يكون لحظياً، وسرعان ما أعود وأقول لنفسي: هذه أوهام وقلق بلا هدف، وهناك أشياء أهم، هناك أم تعبت من أجلك فلا بد أن تعوضها بالبر، ومشروع الزواج لا بد أن أهتم به، ولا أعرف الأفكار هذه كيف دخلت عقلي؟!

أحب أن أرجع كما كنت في صحة، فهل أعود لتناول (الفافرين ٥٠) لمدة شهر، ثم أتوقف عنه، وعندها ستختفي هذه الأفكار؟

شكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يزيل عنك هذه الوساوس.

أخي الكريم: مرض الوسواس القهري مرض شائع جدًا، و-الحمد لله- الآن يتم علاجه بصورة فاعلة جدًا، إذا بدأ العلاج مبكرًا، وكان الإنسان جادًا في تطبيق الإرشادات العلاجية، وتناول الدواء حسب ما هو مطلوب.

أولًا: بالنسبة للفافرين، هو من أفضل أنواع الأدوية، لكن الجرعة التي تتناولها هي جرعة صغيرة، أنت -الحمد لله- وصلت الآن 100 مليجرام، وأنا أقول لك أرفعها إلى 200 مليجرام مباشرة، يمكن أن تتناولها كجرعة واحدة ليلًا، أو تتناول 100 مليجرام في الصباح و100 مليجرام في المساء، وأعتقد أنك لن تحتاج للجرعة القصوى وهي 300 مليجرام يوميًا؛ وذلك لأن استجابتك جيدة جدًا على الجرعة الصغيرة، وهي 100 مليجرام.

أخي الكريم: دون أي تردد لا تتوقف عن الفافرين، لا تخفض الفافرين، هذا دواء فاعل وغير إدماني، وليس له أي تأثير على الأداء الجنسي أو الهرمونات الذكورية أو الأنثوية، ترفع الجرعة إلى 200 مليجرام يوميًا لمدة شهرين، ثم تخفضها إلى 100 مليجرام يوميًا لمدة شهرين آخرين، ثم اجعلها 50 مليجرام يوميًا لمدة شهر، ثم 50 مليجرام يوم بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أبشرك -أخي- أن الفافرين تكاد تكون الآثار الانسحابية فيه شبه منقطعة، لكن تحوطًا، نحن ننصح بأن يكون العلاج تدريجيًا وبالصورة التي ذكرناها، وحتى نضمن الفعالية القصوى للفافرين، أريد أن تدعمه بدواء آخر يعرف باسم أريببرازول، تتناوله بجرعة صغيرة جدًا وهي 5 مليجرام، تستمر على هذه الجرعة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عن تناول الأريببرازول، أيضًا دواء فاعل وهذه الجرعة جرعة صغيرة جدًا.

بقي بعد ذلك أن تتعامل مع هذه الوساوس السلوكية، أولًا: لا تحلل الوسواس، لا تتدبره أو تتأمل فيه، أو تبحث عنه، أو تقرأ عن تفاصيله، هذا يجعل الوساوس أكثر استحواذًا، إنما المبدأ العلاجي هو التحقير، وهذه هي النقطة الأولى في العلاج، فاكتب وساوسك هذه -أيها الفاضل الكريم- وابدأ بأضعفها، وانتهِ بأشدها، وطبق تمرين التحقير، خاطب الفكرة الوسواسية أو الفعل الوسواسي مخاطبة مباشرة .. أنت فكرة، أو أنتِ فعل قبيح، أنا أحقرك، أنا أتجاهلك، أنا لن أهتم بك...وهكذا.

ثم تنتقل للتمرين الثاني وهو صرف الانتباه، وهذا يعني أن تستبدل الفكرة والفعل الوسواسي بشيءٍ جميلٍ، مخالف له تمامًا أي إنجاز مثلًا قمت به، أو أي خطة تود أن تطبقها، اجعلها في مكان الفكر الوسواسي.

التمرين الثالث يسمى التنفير، وهو أن تربط الوسواس بشيءٍ منفرٍ، بشيءٍ يكرهه الإنسان، أو الجسد الإنساني لا يقبله، وكذلك الأحاسيس، مثلًا قم بالضربة على يدك بقوة وشدة على سطح الطاولة، وفي ذات الوقت اربط هذه الضربة على سطح الطاولة بالوسواس، بالفكرة الوسواسية أو الفعل الوسواسي، الربط بين إيقاع الألم والظاهرة الوسواسية يضعف الوسواس كثيرًا، هذا التمرين يطبق 20 مرة متتالية، وهذه التمارين يجب أن تطبقها في هدوء تام داخل الغرفة، ويجب أن تستغرق كل جلسة علاجية نصف ساعة على الأقل.

بعد التطبيق على الفكرة الأولى أو الفعل الأول تنتقل للذي يليه وهكذا إلى أن تنتهي إلى أشدها، في ظرف أسبوعين من المفترض أن تنتهي الوساوس تمامًا، و-الحمد لله- عندك استجابة للدواء ممتازة جدًا.

بقي أن أقول لك: من الضروري جدًا أن تمارس الرياضة، وأن تمارس التمارين الاسترخائية، خاصة تمارين قبض العضلات وشدها، وتمارين التنفس المتدرجة، وهنالك برامج كثيرة جدًا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين.

التخلص من الفراغ الزمني والذهني مهم جدًا، وهذا يتأتى من خلال حسن إدارة الوقت، أن تدير وقتك إدارة صحيحة، أن تتجنب السهر، أن تكون لديك برامج يومية تتعلق بعملك، بالتواصل الاجتماعي، بالعبادة، وكل هذا سيزيح الوسواس بحول الله وقوته.

لا تنزعج يا أخي الكريم حول موضوع دوالي الخصية، العملية بسيطة جدًا إن لم تكن قد أجريتها فأرجو أن تقوم بإجرائها، و-إن شاء الله- تتزوج ويرزقك الله تعالى الذرية الصالحة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً