الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد طلب العلم الشرعي لكني مبتلى بالذنوب!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب، عمري ١٦ عامًا، وأسكن في أوروبا، وقد ألقى الله في قلبي حب العلم الشرعي، الذي أرجو أن يكون خالصًا لوجهه، وليس رياءً.

ابتليت بالذنوب، أنتكس وأتوب، ثم أنتكس مرةً أخرى، وأشعر أن الله لن يرزقني التفقه في العلم الشرعي ما دمت أتبع شهواتي، ولا أجاهد نفسي رجاء رضاه، وخوفًا من عذابه، وما يؤكد ظني أبيات الإمام الشافعي -رحمه الله- "شكوت إلى وكيع سوء حفظي" وأيضًا التشتت في الوقت الحالي سهل جدًا؛ لوجود الإنترنت، والملهيات، وغيرها.

أنا الآن في ريعان شبابي، وأخاف أن أضيع وقتي، وطاقتي، وجهدي، فيما لا ينفعني في الدنيا والآخرة، واخاف أن أندم على تفريطي في وقتي عندما أكبر، أو أن أسأل يوم القيامة عن ذلك.

ممن تأثرت بهم الإمام الغزالي -عليه رحمة الله- عندما اعتزل الدنيا والناس، في رحلته المشهورة للبحث عن الحقيقة، ولكي يخلص نيته لله تعالى، ويزيد من تواضعه وزهده، وأتمنى أن تمنح لي فرصة اعتزال الدنيا والناس ولو لفترة قصيرة، وأفكر في هذا كثيرًا.

ماذا أفعل الآن؟ أفتوني يرحمكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.

بدايةً: نحمد الله الذي ألقى في قلبك حب طلب العلم، فهذا خير عظيم يسوقه الله إليك، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)، فعليك أن تخلص النية لله تعالى، وأن تجعل غايتك رضاه، ونشر دينه، ونفع عباده.

بالنسبة للذنوب: فلا يوجد أحد يخلو منها، ولكن التقي الصالح هو من يجتهد، ويبذل جهده في الابتعاد عن المعاصي، وأسبابها، فإن زلت قدمه، ووقع في المعصية، سارع إلى التوبة والاستغفار دون تأخير، أو تسويف، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )، ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ).

لذلك عليك أن تجتهد في تجنب أسباب الوقوع في المعصية، وما يدفع إليها، فهذا من أعظم ما يعينك على تركها، كما أنه يساعدك في تحقيق رغبتك في طلب العلم، فالعلم الشرعي نور، ويحتاج إلى تقوى، وقلب متصل بالله، قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ونور الله لا يُهدى لعاصي، فإذا أذنبت ذنبًا فبادر إلى التوبة والاستغفار، والإكثار من عمل الصالحات؛ حتى تغسل قلبك مما علق فيه من ران المعصية، ولا تيأس أو تقنط من رحمة الله مهما تكرر الذنب، ما دمت تستغفر، وتتوب، وتعزم على ترك المعصية.

ومن أعظم ما يعينك على ترك المعاصي، والتعلق بالشهوات ما يلي:

أولًا: غض البصر عن الحرام: فمن أعظم ما يعينك على الطاعات هو غض البصر عن المحرمات؛ لأن إطلاق البصر في الحرام يجعل القلب يتمنى، والعقل يفكر في الشهوات، وخصوصًا في مثل سنك الذي يتميز باندفاع الشهوة وقوتها، فعليك أن تغلق هذا الباب لترتاح من ألم النتائج، فتغض بصرك عن مشاهدة المحرمات، سواء في الأماكن العامة، أو في الأفلام والمسلسلات، أو في مواقع التواصل الاجتماعي، فحافظ على قلبك نقيًا من كل ما يفسد عليك لذة الإيمان وحلاوته، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه عز وجل: (إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه) رواه الحاكم والطبراني.

ثانيًا: الرفقة الصالحة؛ فطلب العلم والاستقامة على طاعة الله يحتاجان إلى رفقة صالحة تعينك على الاستمرار في الخير، وتذكيرك إذا نسيت، وتدعمك إذا اجتهدت، أما الرفقة السيئة، فهي تدفعك إلى المعصية، وتُهونها في نفسك، لذا عليك بملازمة أصدقاء الخير والصلاح، واجتهد في البحث عنهم.

ثالثًا: تنظيم الوقت؛ فمن أهم أسباب التشتت هو عدم وجود أهداف واضحة، وعدم وجود خطوات عملية لتحقيق تلك الأهداف، فيجب أن تنتقل من مرحلة الأماني إلى العمل الجاد، عبر تنظيم وقتك بشكل صارم، وأن تضع جدولاً لحياتك اليومية من صلاة الفجر وحتى النوم، قسم وقتك بعناية، واجعل في يومك وقتًا لطلب العلم، والدراسة، وأداء الفرائض، والترفيه المشروع، وهذا الترتيب سيشعرك بالإنجاز، والإنجازات تمنحك شعورًا بالعطاء والتفوق، مما يدفعك للاستمرار.

رابعًا: ما يخص الاعتزال عن الناس، في هذا العمر الاعتزال لن يحقق لك ما تريده من طلب العلم، وتأسيس الذات، والعلماء الذين ذكرتهم (وهم قلة) لم يعتزلوا إلا بعد أن أسسوا أنفسهم في أصول العلم وأولوياته، ثم إن مخالطة الناس، ونصحهم، والتعلم من تجاربهم خيرٌ من العزلة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) رواه الترمذي، ولا تكون العزلة مرغوبةً إلا في حالات معينة، مثل: انتشار الفتن التي يصعب مقاومتها.

خامسًا: بناء الإيمان القوي؛ فأنت بحاجة إلى بناء إيماني قوي، وخاصةً في هذا السن، وأنت تعيش في بلاد تقل فيها وسائل المعونة على الطاعات، وتكثر فيها الشهوات، فعليك بالمحافظة على الفرائض، والإكثار من النوافل، والتضرع إلى الله تعالى ليحفظ قلبك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأكثر من قراءة القرآن، وتدبر آياته، واستمع إليه في كل وقت، واحضر مجالس العلم والمواعظ، وأكثر من ذكر الله على كل حال، واجعل رفيقك من الصالحين الذين تتعلم منهم الخير، ويعينونك عليه، ولا تتهاون بصغائر الذنوب، ولا تقلل من شأنها؛ فإنها تضعف القلب عندما تكثر.

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً