الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل مبادرتي بالصلح مع زوجي يعتبر ذلًا غير محمود؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

جزاكم الله خير الجزاء عن هذا الموقع المتميز الذي يفقهنا في أمور ديننا.

أنا امرأة متزوجة منذ 30 سنة، لدي أربعة أولاد، و-لله الحمد- الكل يعترف بحسن خلقهم، وبأنهم أصحاب شهادات عليا، وزوجي رجل يصلي ويصوم، ولكنه كثير مشاهدة التلفاز من كرة قدم وأفلام فارغة.

أنا أيضاً أصلي وأصوم، لدي مشروع حفظ القرآن (أحفظ 25 حزباً)، وأقوم بشؤون بيتي، ولست مقصرة في أي حق من الحقوق الزوجية بشهادة الجميع، ومن ضمنهم زوجي، علماً أني أعمل وأساهم معه في جميع مصاريف البيت، بدون استثناء، وأنفق على أولادي، وشاركت معه في شراء منزل السكن، وفي شراء السيارة.

مشكلتي مع زوجي أنه بمجرد أي خلاف بيننا -تافه للغاية- يهجرني في الكلام، وبعض الأحيان في الفراش، ولا يجالسني حتى على مائدة الطعام، يحصل هذا أيضاً في شهر رمضان، ونحن نعبد الله، وقد هجرني فيه لمدة ثلاثة أسابيع، علماً بأنه خارج هذه الفترة يعاملني معاملة جيدة، ويلبي جميع حاجاتي، ويحترمني جيداً.

كنت في السنين السابقة دائماً سباقة إلى الصلح، وأتوسل إليه لأني أراعي مصلحة الأبناء والتوازن العائلي، طلبت منه عدة مرات أن نحكم أحداً بيننا، ولكنه يرفض رفضاً قاطعاً.

السؤال:
1- هل علي إثم في هذه المقاطعة التي تستمر لأسابيع، وفي بعض الأحيان أكثر من شهر؟ علماً أني أحفظ القرآن، وكل همي أن يكون الله راضيًا عني، وأخاف جداً من غضب الله علي، والعياذ بالله.

2- كيف أتعامل مع زوجي؟ علماً بأني لم يعد في استطاعتي الذهاب عنده، والتوسل إليه، سئمت كثيراً من هذا الوضع، قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لا ينبغِي للمؤمنِ أن يُذِلَّ نفسَه، قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: يتعرَّضُ من البلاءِ لمَا لا يطيقُ)، فهل معاملتي له بهذه الطريقة يعتبر ذلاً؟

أنا جداً محتاجة إلى نصيحة منكم، أفيدوني من فضلكم.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آمال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن يزيدكِ خيرًا إلى ما أنتِ فيه من خصال الخير والأعمال الصالحة، وأن يسددكِ ويثبتكِ على ما أنتِ فيه.

ثانيًا: نشكر لكِ -أختنا الكريمة- حرصكِ على الوقوف عند حدود الله تعالى وأداء الواجبات عليكِ، وهذا لا يضيع عند ربكِ، فإنه سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ومساندتكِ لزوجكِ، وإعانته في أمور بيتكِ، كل ذلك من العمل الصالح المحفوظ لكِ -بإذن الله تعالى-، فلا تأسفي على شيء فات أو جهد مضى، فإنكِ قدمتِ لنفسكِ، وسترين ثمرة ذلك في دنياكِ وفي آخرتكِ.

ثالثًا: نصيحتنا لكِ -أختنا الكريمة-، بأن تستمري على ما أنتِ عليه من التواضع لزوجكِ، ولو أدى ذلك إلى هضم نفسكِ في بعض الأحيان، وليس ذلك من مضامين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه) فإن تواضعكِ لزوجكِ، ولو كان هو المسيء، هذا التواضع والتذلل لزوجكِ يرفعكِ عند الله تعالى درجات، وهو عمل من أجل الأعمال التي يحبها الله تعالى.

لقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال-: (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: كل ولود، ودود، عؤود، التي إن ظلمت أو ظُلمت، وفي رواية: "إذا غضبت أو أُسيء إليها قالت: هذه ناصيتي بيدك، لا أذوق غمضًا حتى ترضى"، وفي رواية: "لا أكتحل بغمض حتى ترضى)، فهذا الحديث يبين لكِ التصرف الذي يحبه الله تعالى من المرأة، حال الخلاف بينها وبين زوجها، ويرغبها أشد الترغيب في التواضع لزوجها، ولو كسرت نفسها، وتنازلت عن شيء من حقوقها.

كما أرشدها قبل ذلك القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى في كتابه: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا؛ فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا، والصلح خير)، فالصلح خير من الشقاق والفراق، وكل المظاهر الأخرى.

لا يخفى عليكِ ما جاء في الأحاديث الكثيرة من تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- لحق الزوج على زوجته، فقد قال عليه الصلاة والسلام -حينما سئل عن حق الزوج على زوجته-: (لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه)، وهذا الحديث رواه ابن حبان في صحيحه.

قال في الحديث الآخر الذي رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما: (لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). فهذه الأحاديث وغيرها كثير، تبين لكِ أنكِ مهما تواضعتِ لزوجكِ، ومهما هضمتِ نفسكِ، فإنكِ في عمل صالح كبير جليل يقربكِ إلى الله تعالى، ويزيدكِ رفعة عنده، كما يزيد منزلتكِ رفعة في قلب زوجكِ، وإن حاول أن يخفي ذلك، فلا تأسفي أبدًا على هذا النوع من السلوك مع زوجكِ، وكوني على ثقة من أن الكلمات الجميلة الطيبة؛ كفيلة بأن تقلب العدو صديقًا، فكيف بالزوج الذي تصفين فيه الكثير من الخصال الطيبة؟

ننصحكِ بأن تستمري على ما أنتِ عليه، وأن لا تقاطعي زوجكِ، وأن تبادري إلى الاعتذار، ولو كنتِ ذات الصواب في هذه الخلافات وهو المخطئ، فمبادرتكِ هذه محسوبة لكِ عند الله تعالى، وعند زوجكِ، ولا يجوز لكِ أن تقاطعي زوجكِ، فيجب عليكِ أن تؤدي الحقوق وإن أخطأ، فإثمه على نفسه، وظلمه على نفسه.

هذا، مع بذل المحاولات التي تقلل من شأن هذه الخلافات، كاجتناب الأسباب التي تؤدي إلى الغضب والابتعاد عنها، ومحاولة تبادل النصائح في أوقات الهدوء والسكينة وصفاء النفس، ونحن على ثقة من أن هذا السلوك سيوصلكِ -بعون الله تعالى- إلى ما تتمنينه.

نسأل الله تعالى أن يوفقكِ لكل خير، وأن يديم الألفة بينكِ وبين زوجكِ، ويحفظ لكِ أسرتكِ، ويصلح لكِ ذريتكِ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً