الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توسعت بالحديث مع زملاء الدراسة، فكيف أتوب وأعود للحياء؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الرحمن أن يهدينا وإياكم إلى الصراط المستقيم. أود استشارتكم في أمر أوجع قلبي وجعلني حزينة، ولا أدري ماذا أصنع فيه.

أنا فتاة جامعية في السنة الدراسية الأولى، طالما كنت وما زلت -الحمد لله- من المتفوقات، وهذا بفضل الله ونعمه علي، كنت فتاة حيية وأحب الحياء وصفاته، مشكلتي بدأت منذ بداية الدراسة الجامعية، فالأجواء اجتماعية أكثر من المدرسة، وبدأت بالتحول تدريجيًا من الانطوائية إلى الاجتماعية، ليست هنا المشكلة، ففي المرحلة الثانوية -وبحكم دراستي في مدرسة مختلطة-، لم أتحدث مع الأولاد أبدًا، لا أكلمهم ولا يكلمونني حتى في أمور الدراسة، لكن هنا في الجامعة اعتدت الحديث كثيرًا عن الدراسة مع الذكور.

اثنان من الشباب أناقشهم كثيرًا بحكم سعتهم في العلم والمعرفة، ونحن طلاب هندسة معمارية، لكننا نضحك ونتحدث عن أمور عادية أحيانًا، هذا ما يقلقني حقًا! لا ألاحظ هذا الأمر أثناء التواجد معهم، ولكن عندما أكون وحدي أو أعود إلى البيت وأراجع نفسي؛ أشعر بالحرج الشديد، ولا أدري ماذا أصنع؛ فهذا الأمر يحزنني حقًا!

أشتاق إلى شخصيتي السابقة، وأحيانًا أتمنى ترك الجامعة والتفرغ لحياتي الدينية بعيدًا عن الاختلاط، فقدت التوازن في حياتي من كثرة إرهاق نفسي في العمل، شخصيتي من النمط الذي يرهق نفسه ويعطي كل طاقته للعمل، فلا أشعر بالراحة إلا عند إنجاز عملي على أكمل وجه، فأكون متعبة ولا أركز ولا أنام جيدًا، ولا أجد وقتًا لمراجعة نفسي، أدرك أنه يجب علي أن أكون حريصة، وأريد التوبة إلى الله تعالى؛ لأن قلبي يؤلمني حقًا.

كيف يمكنني الالتزام في ظل هذه التشتتات؟ وما نصيحتكم؟ أرغب أن أكون من المسلمات المؤمنات القانتات التائبات العابدات، وأضع حدودًا مع كل الشباب، وأعتزل زملائي حتى أتجنب الحديث معهم وقت الراحة والفراغ، أظن أن هذا الحل الذي سأعتمد عليه، لكني بانتظار نصيحتكم بصفتي ابنتكم أو أختكم، ماذا عساي أن أفعل؟

أريد حفظ القرآن، حفظت 11 جزءًا دون تقدم، فكل شيء غير منظم في حياتي، القلق والضغط والعمل والتسرع وأشياء تشغل الإنسان، لا أريد أن أضعف، بل أريد النهوض مجددًا.

حفظكم الله ورعاكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يوفقك وأن يصلح الأحوال.

لقد أسعدتنا هذه الاستشارة التي تدل على خير كثير، ورغبة في الخير، وأسعدنا جدًا هذا الإحساس لأنك تتغيرين، ونحن دائمًا ننصح من وجدت نفسها في مجتمع فيه رجال ونساء، أن تنحاز إلى النساء، وتتعامل مع الطالبات حتى في أمور الدراسة، و-الحمد لله- رغم وجود مصيبة الاختلاط في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية، إلا أن في تلك البيئات فتيات ملتزمات، وشباب ملتزمين، فخير للفتاة أن تتعامل مع زميلاتها، وخير للشاب أن يتعامل مع أقرانه من الرجال، حتى في أمور الدراسة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير.

وأيضًا مسألة إكمال الواجبات وأدائها على أكمل وجه هذه من الصفات الحسنة، لكن أرجو أن لا تحملي نفسك ما لا تطيقين، لأن الإنسان ينبغي أن يعتدل في سيره، يسير سيرًا معتدلًا، يعطي نفسه حقها من الراحة، وحقها من الطعام والنوم والترفيه، حتى يستطيع أن يواصل المشوار، لأن متابعة الدراسة، والاجتهاد المبالغ، ربما يعقبه بعد ذلك فتور، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على تجاوز هذه الصعاب.

مرة أخرى نؤكد أن شعورك بالخطر، وأن شعورك بهذا التغير، وأن تأسفك على التوسع في الكلام مع الشباب، والضحك معهم، ومناقشة أمور عامة مما يزعجك؛ هذا دليل على بقاء بذرة الخير، وفعلًا يجب أن تتجنبي ذلك، وتجتهدي في أن لا يكون الكلام -إذا اضطررت- إلا في الضرورة، وفق الشروط "فلا يخضعن بالقول" دون خضوع، وأن يكون في المعروف، وأن يكون هذا الكلام أيضًا محددًا بقدر الحاجة، فلا تتوسع الفتاة في الكلام مع الشباب، أو المناقشات معهم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبرز لأمتنا رعاة يقومون على فصل الشباب عن البنات، وهذا واقع تريده الشريعة التي تباعد بين أنفاس النساء والرجال حتى في الصلاة، فتجعل خير صفوف النساء آخرها لبعدها عن الرجال.

نسأل الله أن يزيدك حرصًا وأن يزيدك خيرًا، وأن يعينك على علو الهمة، والنجاح والتوفيق، ونحن ننتظر من أمثالك أن يكملن حفظ كتاب الله، وأن يكن قدوة لغيرهن من بناتنا وأخواتنا.

ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً