الأضحية شعيرة من شعائر الدين، سنَّها خاتم المرسلين، تقرباً إلى الله رب العالمين، وامتناناً لما أسبغ به على عباده المؤمنين ، واقتداء بخليل الله إبراهيم، قال سبحانه: {ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} (الحج:34)، وقال جل وعلا: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير} (الحج:36).
ومشروعية الأضحية ثابتة بالكتاب الكريم ، والسنة الشريفة ، وإجماع أهل العلم، وهي من أعظم القربات التي يتقرب بها العباد إلى ربهم، شرعها سبحانه لحكم جليلة ومقاصد عديدة، وفعلها رسوله - صلى الله عليه وسلم - امتثالاً لأمر ربه، وتشريعاً للأمة من بعده، قال سبحانه: {فصل لربك وانحر} (الكوثر:2)، وقد ضحى -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين.
وفي هذه العجالة نحاول أن نتلمَّس أهم المقاصد التي شُرعت لأجلها الأضحية ، إيماناً منَّا بأن لله في كل حكم من أحكامه حكمة وغاية ، عَلِمَها من عَلِمَها ، وجَهِلَها من جَهِلَها .
فمن المقاصد التي شُرعت لها الأضحية أن الله جعل لأهل الأمصار ما يشاركون به أهل الموسم ، فأهل الموسم لهم الحج والهدي ، وأهل الأمصار لهم الأضحية ، فجعل لهم نصيباً مما لأهل المناسك ، ولذلك نهاهم عن الأخذ من الشعر والظفر في أيام العشر من أجل أن يشاركوا المحرمين بالتعبد لله تعالى بترك الأخذ من هذه الأشياء ، والتقرب إليه بذبح الأضاحي .
ومن أهم مقاصد الأضحية كذلك توحيد الله سبحانه وتعالى ، وإخلاص العبادة له وحده ، وذلك بذكره وتكبيره عند الذبح ، قال تعالى عن الأضاحي : {كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم } (الحج: 37) ، وقال : { فاذكروا اسم الله عليها صواف } (الحج: 36)، ولذلك كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ذبح الأضحية التسمية والتكبير ، امتثالاً لأمر الله تعالى ، فإن الذبح عبادة من أعظم العبادات التي أمر الله بإخلاصها له سبحانه ، وذكر اسمه عليها دون ما سواه ، قال تعالى آمراً نبيه بذلك : {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } (الأنعام: 162) ، والنسك هو الذبح ، ولذلك كان الذبح لغير الله تعالى مخرجاً صاحبه من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر ، لأنها عبادة لا تصرف إلا لله وحده لا شريك له ، فمن صرفها لغيره فقد أشرك ، وحرَّم الله على عباده ما ذبح لغيره فقال : {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } (المائدة: 3) ، ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذبح لغير الله .
ومن مقاصد الأضحية أيضاً ، شكر الله على نِعَمِه ، وإحسانه إلى خلقه ، قال تعالى : {كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون } (الحج: 36) ، وفي تضحية العبد بشيء مما أفاء الله به عليه ، شكرٌ لصاحب النعمة ومُسديها ، وحقيقة الشكر إنما هي الطاعة بامتثال الأمر كما قال جل وعلا: {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور} (سـبأ: 13) .
ومن المقاصد العظيمة بيان أن العبرة في الحقيقة إنما هي بالقلوب والأعمال ، لا بالصور والأشكال ، ولذلك قال تعالى :{لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} (الحج: 37) ، وفي الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، فالمقصود من الأضاحي إنما هو تحقيق تقوى القلوب ، وتعظيم علام الغيوب ، وربنا جل وعلا هو الغني عن العالمين ، لا ينتفع بشيء من هذه الأضاحي ولا يناله شيء منها ، ولا يريد من عباده إلا أن يتقوه ويوحدوه ويعبدوه حق عبادته ، لتصلح دنياهم ويكرمهم في أخراهم ، وهو غني عنهم وعن ذبائحهم وأضاحيهم .
وقد كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا ذبائحهم وضعوا على آلهتهم من لحومها ، ونضحوا عليها من دمائها ، مع مخالفتهم لأمر الله وإشراكهم به ، فأبطل سبحانه فعلهم ، وبين أن المقصود من هذه الضحايا ، إنما هو طاعته سبحانه بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه .
ومن مقاصد الأضحية، التذكير بقصة الذبيح إسماعيل عليه السلام، وما في قصته مع أبيه من العبر والعظات، والدلائل والمعجزات، مما يزيد المؤمن ثقة وثباتاً، خصوصاً في وقت الشدائد والمحن والابتلاءات .
ومن مقاصد مشروعية الأضحية - إضافة لما تقدم - التوسعة على الناس في يوم العيد ، ففي ذبح المسلم للأضحية توسعة على نفسه وأهل بيته ، وفي الإهداء منها توسعة أيضاً على الأصدقاء والأقارب والجيران ، وفي التصدق بالبعض الآخر توسعة على الفقراء والمحاويج ، وإغناء لهم عن السؤال في هذا اليوم .
فعلى المسلم أن يَلْحَظَ هذه المقاصد التي شُرعت الأضحية لأجلها ، وليحرص على أن يستنَّ بهذه السنة التي سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وليعلم أن الخيرَ كلَّه في هدي خاتم النبيين ، وإمام المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .