إن كل من يقصد البيت الحرام في موسم الحج لا تغيب عن ناظريه ظاهرتان سيئتان، ليستا من خلق المسلم، ولا تمتان إلى أدب الإسلام بصلة؛ أولى هاتين الظاهرتين، ظاهرة عدم مراعاة قواعد النظافة في الأماكن المقدسة، وثانيهما ظاهرة الفوضى وعدم مراعاة النظام واحترام الآخرين. وحديثنا في هذه الخواطر عن هاتين الظاهرتين:
تتمثل الظاهرة الأولى كما ألمحنا في قلة النظافة، بل ربما انعدامها، عند بعض المؤدين لمناسك الحج، مع ما يرافق ذلك من عدم الالتزام بالتعليمات والإرشادات المتعلقة بهذا الشأن، وأقل ما تدل عليه أمثال هذه السلوكيات عدم احترام مشاعر الآخرين، ناهيك - وهو الأهم - ما تدل عليه من عدم احترام تلك الأماكن المقدسة، والاستخفاف بحرمتها ومكانتها .
فمع أن ديننا الحنيف دين النظافة من ألفه إلى يائه؛ والنظافة من أول أبجدياته، وهي شرط أساس في كثير من عباداته وقرباته، رغم كل ذلك نجد بعض حجاج البيت الحرام، ولا نبالغ إذا قلنا أكثرهم، غافلين عن هذه الحقيقة، فنجدهم يلقون بأوساخهم وفضلاتهم في الأماكن التي يتواجدون فيها أثناء أدائهم لمناسكهم، خاصة أثناء المبيت بمنى، والوقوف بعرفات، من غير مراعاة لحرمة مكان، ومن دون اعتبار لمشاعر إنسان .
وعلى الرغم من أن النظافة شعار المسلم، وسمة من سمات شخصيته، وهي أدب رفيع مطالب به المسلم في كل زمان ومكان، وعلى كل حال وأوان، نقول على الرغم من ذلك، فإنك لتعجب من أن العديد من المؤدين لمناسك الحج لا يكترثون كثيرًا بهذا الأدب الإسلامي، ولا يلقون له بالاً، مع أن المكان الذي هم فيه أولى وأجدر بمراعاة هذا الأدب، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على واقع التخلف الذي لا يزال يحياه بعض المسلمين .
وقد روي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحتجم، فلما فرغ قال: ( يا عبد الله بن الزبير ، اذهب بهذا الدم، فاهرقه حيث لا يراك أحد ) رواه الحاكم في "المستدرك" .
أما الظاهرة الثانية التي تبدو للناظر، إبان أداء مناسك الحج، فهي ظاهرة الفوضى وقلة احترام قواعد الانضباط والنظام؛ إذ لا يخفى أن كثيرًا من الحوادث المؤلمة التي تحدث أثناء أداء بعض مناسك الحج، وخاصة أثناء رمي الجمار، إنما مرجعها إلى هذه الظاهرة، ظاهرة الفوضى، وعدم مراعاة النظام في أمثال هذه التجمعات؛ فتجد أحدهم مثلاً يزاحم من حوله من أجل تقبيل الحجر الأسود، دون مراعاة حرمة كبير ولا صغير، ولا مراعاة النساء والضعفاء، فيدافع ويزاحم ويقتحم كل من حوله من أجل الوصول إلى أمر لو فقه شرع الله ما فعل الذي فعل لأجله، ولعلم أن الله لم يكلفه ذلك، وأن من يفعل ذلك قد غاب عن باله أن النظام ركن أساس من أركان ديننا الحنيف؛ فالعبادات كلها متعلقة بوقت معين وأداء محدد، فللصلاة أوقاتها، وللصوم وقته، وللزكاة نصابها ووقتها المعين، وللحج أشهره المعلومة، ولكن مع ما للنظام من أهمية ومكانة في الإسلام نجد أن هذا الخلق يغيب عن العديد من حجاج البيت الحرام .
أليس من العجيب بل من المعيب، أن يؤمر المسلم بمراعاة هذين الأدبين في كل أوقاته وحركاته، ثم نراه بعد ذلك يضرب بهما عرض الحائط في مكان هو أولى بالمراعاة، وأجدر بالاحترام من أي مكان آخر، وصدق الله إذ يقول في محكم قرآنه: { ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه } (الحج:30) ويقول سبحانه: { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } (الحج:32) ولا شك فإن مراعاة هذين الأدبين الإسلاميين من تعظيم حرمات الله وشعائره، ونحسب كذلك أنهما مقصدان أساسان من مقاصد الحج. لذا نهيب بحجاج بيت الله الحرام مراعاة هذين الأدبين خاصة، إذ هما مظهران من مظاهر رقي الأمم، ومؤشران من مؤشرات وعيها الثقافي.