الفوات
فمن فاته الوقوف بعرفة ولو لعذر حتى طلع عليه فجر يوم النحر ، فقد فاتة الحج ، لفوات زمن الوقوف ، ويجب عليه أن يتحلل بعمرة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ، كما يجب عليه القضاء أيضاً عند جمهور أهل العلم سواء أكان الفائت واجباً أم تطوعاً ، وسواء أكان الفوات بعذر أم بغير عذر ، ويلزمه مع ذلك هدي يخرجه في سنة القضاء، لقول عمر رضي الله عنه لـ أبي أيوب الأنصاري : " اصنع ما يصنع المعتمر ، ثم قد حللت ، فإن أدركك الحج قابلاً فاحجج ، وأهدِ ما استيسر من الهدي " رواه مالك .
الإحصار
أما الإحصار : فهو الحبس والمنع ، مصدر أحصره ، إذا حبسه حابس ما ، والمقصود به هنا منع المحرم من إتمام نسكه ، كأن يمنع من دخول مكة ، أو الوقوف بعرفة ، فلا يختص الإحصار بعرفة كما هو في الفوات ، ويمكن أن يكون في الحج والعمرة ، بخلاف الفوات فلا يكون إلا في الحج ، وللإحصار صور :
الصورة الأولى : أن يشترط المحرم عند إحرامه ، أنَّ له أن يتحلل من إحرامه إذا حبسه حابس ما، فهذا له أن يحلَّ متى ما وُجد ذلك الحابس والمانع ، ولا شيء عليه ؛ لا هدي ولا قضاء ، ولا غيرهما ، لأن للشرط تأثيرٌ في العبادات ، ومما يشهد لذلك حديث ضُباعة بنت الزبير رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( إني أريد الحج، وأنا شاكية، فقال لها : حجي واشترطي: أن محِلِّي حيث حبستني ) رواه مسلم ، لكن إذا كان إحرامه لحج الفريضة فلا يسقط الواجب عنه ، بل يبقى في ذمته حتى يؤديه .
الصورة الثانية : أن يكون الإحصار بسبب عدو أو قاطع طريق ونحو ذلك ، فيُمنع المحرم من الوصول إلى مكة ، ففي هذه الحالة ، يحلُّ للمحرم أن يتحلل من إحرامه ، ويلزمه دم يذبحه حيث أحصر سواء كان في الحرم أو غيره ، ثم يحلق أو يقصر ، لقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } (البقرة: 169) .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم الحديبية - حين منعته قريش من دخول مكة - أن ينحروا ويحلقوا ويحلِّوا ، ولا فرق بين الحصر العام في حق الحجاج كلهم وبين الحصر الخاص بالفرد باتفاق أهل العلم .
وأما إن تمكن المحصر من الوصول إلى البيت من طريق أخرى ، تعين عليه ذلك ، ولزمه سلوكها سواء بعدت أم قربت ، ولم يُبَح له التحلل .
وسواء أحصر المحرم عن البيت قبل الوقوف أو بعده ، فله التحلل في أحد قولي العلماء ، وأما إن كان ما أحصر عنه ليس من أركان الحج ، كالمبيت بمزدلفة ومنى ، ورمي الجمار ، وطواف الواداع ، فليس له أن يتحلل لأن صحة الحج لا تتوقف عليه ، ويجب عليه دم لتركه الواجب وقيل لا يجب لأن الواجب سقط عنه بالعجز .
فإن عدم المُحْصَر الهدي ففي انتقاله إلى البدل خلاف بين أهل العلم .
الصورة الثالثة : أن يُمنع المحرم من الوصول إلى الحرم ، لعذر غير العدو ، كمرض أو فَقْدِ نفقة أو ضياع الطريق أو غير ذلك من العوائق ، فهذه الصورة محل خلاف بين أهل العلم :
فمنهم من رأى أن الإحصار خاص بالعدو ، وعليه فليس للمحرم التحلل بالمرض ونحوه ، حتى يطوف بالبيت ويسعى - أي يتحلل بعمرة - لأن قوله تعالى في آية الإحصار : { فإذا أمنتم } (البقرة: 196) ، يدل على أن المراد بالإحصار ما كان من العدو خاصة ، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إنما تحللوا حين أحصروا من العدو .
ومنهم من رأى أن الإحصار يتحقق بجميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم من عدو أو مرض أو ضياع نفقة أو حبس أو كسر ونحو ذلك لعموم قوله تعالى :{ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } (البقرة: 196). ولحديث الحجاج بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كُسر أو عرج فقد حلَّ ) رواه أصحاب السنن .
هذه هي صور الفوات والإحصار ، وبقي أن ننبه على مسألة وهي: أن من نوى التحلل لغير عذر فإنه لا يحل بنيته تلك ، ولا يبطل إحرامه ، ولا يخرج عن أحكامه بنية الخروج ، لأن رفض الإحرام لغو باتفاق العلماء ، بل يلزمه أن يمضي فيه ويتمه لقوله جل وعلا : { وأَتموا الحج والعمرة لله } (البقرة: 196).