ما أكثر قضايا الشباب ، لا سيما قضية العنف الشبابي الذي لم يعد حكرًا على المجتمعات الأجنبية ، بل طال مجتمعنا الإسلامي ، وانتشر بصورة مقلقةاسترعت اهتمام المعنيين بشؤون الشباب ، وأقضّت مضاجع أولي الأمر ، فشمر الباحثون عن ساعد الجد، وأقيمت مؤتمرات وندوات كان عنف الشباب أهم ما يطرح فيها .. منها ندوة نظمتها الجمعية الخيرية بالعوامية بمحافظة قطيف السعودية، وهدفت إلى التوعية بخطورة العنف في المجتمع من الناحية الأمنية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية ، وتبصير أولياء الأمور بأهمية دور العلم في معالجة السلوك العدواني ، واستغلال طاقة الشباب والمراهقين في الاتجاهات المفيدة ، عبر توضيح بعض الجوانب النفسية والاجتماعية والبيولوجية التي تساهم في تشكل العنف في المجتمع.
وقد تحدث في الندوة الدكتور عبد الستار إبراهيم ( خبير في العلوم النفسية) عن تناول الجوانب النفسية ، والاجتماعية ، والفسيولوجية للعنف، والأساليب السيكولوجية لضبطه ، فقال: " إن الأفراد يتعلمون السلوك العدواني (العنف درجة مرتفعة من العدوان) أثناء تفاعلاتهم مع محيطهم الاجتماعي ، كالوالدين مثلاً "، وقد أشار إلى نوعين من العدوان : عدوان إيجابي ، وهو بمثابة الطاقة التي من خلالها يحقق الفرد أهدافه دون أن يتسبب في أذى غيره ، من خلال تأكيد الذات مثلاً ، بينما النوع الثاني: عدوان سلبي ، هدفه إحداث الأذى للغير ، كالاعتداء اللفظي ، والجسدي ، أو الاعتداء على ممتلكات الآخرين .
التعامل مع السلوك العُنفي
أما طرق التعامل مع السلوك العُنفي فقد طرح الدكتور عبد الستار مجموعة من الوسائل التي تعين المرء على الحد من عنفه، أو من عنف الآخرين ، وهذه الوسائل هي:
1ـ لا تقابل العنف بالعنف ، لأن هذا يصعد من دائرة العنف ( العنف والعنف المضاد).
2ـ غيّر حوارك الذاتي (حديث النفس للنفس ) بهدف تغيير مجرى التفكير ، فالأفكار إما أن تزيد الغضب ، وبالتالي تهيئة الفرد للعنف أو العدوان ، وإما أن تقلل منه ، فتتراجع احتمالات العنف أو المبادرة العدوانية ، فقد نغضب لأننا نفسر تصرفات الآخرين بطريقة غير إيجابية ، لذلك المطلوب هو تدريب أنفسنا على تغيير طريقة التفكير هذه ؛ بحيث نجد تفسيرات أخرى لا تغضبنا، بل لنجد مبررات لتصرفات الآخرين تخفف من غضبنا.
3ـ مارس الاسترخاء ، والتخيل الذهني ، فلهما فوائد جمة ، فهما يحدان من التوتر الجسمي (كخفض نبضات القلب ، والضغط الشرياني ، ومعدل التنفس ، والتوتر العضلي) المصاحب عادة لانفعال الغضب.
4ـ درّب أطفالك أثناء التنشئة الاجتماعية على البدائل السلوكية ، أي أن يتعلم الطفل كيف يحل مشاكله بطرق متعددة ، وليس بأساليب جامدة لا تقبل التعدد.
5ـ إلجأ للمعالجين النفسيين ، إذا ما تعذرت عليك الحلول الذاتية ، والاجتماعية ( الجماعية ) للحد من مشكلة العنف ، فلدى الاختصاصيين النفسيين وسائلهم الخاصة التي تسهل على الشخص العنيف تدريب نفسه على مكافحة سلوكه العنفي أو العدواني.
6ـ تتبع أسباب العنف في الواقع الاجتماعي بهدف إبعاد الفرد عن مصادر العنف البيئية ، أو الحد من شدة هذه المصادر لكيلا تؤدي للمزيد من العدوان.
كما أشار الرائد راشد الليفان (شرطة محافظة قطيف) إلى التقويم الصحيح للسلوك من قبل الأسرة ـ التي تلعب دورًا في النشأة الاجتماعية السليمة ـ وذلك لمنع الجريمة أو السلوك المنحرف في المجتمع ، فكون الصلة بين الوالدين والأطفال متقاربة ، لا متنافرة ؛ فإنها تعزز المشاعر الطيبة بين الآباء والأبناء ، كما أنه من المفيد جدًا أن يتعاون المواطن مع الجهات الأمنية للسيطرة على المظاهر العنفية بهدف إحداث حالة أمنية بين المواطنين .
وقد تفاعل الجمهور الذي حضر الندوة مع المتحدثين ، بما ينم عن وعيهم بأهمية وضرورة السيطرة على العنف باعتباره ظاهرة مقيتة .
وقد حظيَ الجانب النفسي والاجتماعي المتعلق بالعنف باهتمام الكثير من أسئلة الحاضرين ، ومما يذكر أن محمد حمد الصويغ ( مدير جريدة اليوم) قدم مداخلة تصب في الاتجاه الذي يرى أن عنف الشباب مرتبط بعدة أمور: سوء التربية ، والفقر ، وافتراق الزوجين ، وعدم وجود عائل لبعض الشباب ، وكثرة عرض أفلام العنف على التلفزيون، سيما بعد توافر القنوات الفضائية ، وضعف الوازع الديني وتعاطي المخدرات، والكحول، ورفاق السوء، كما يذهب إلى الاعتقاد بأن تفشي العنف مرتبط بوجود البطالة في المجتمع.
ويمكن القول بشكل عام: إن عقد مثل هذه الندوة بمثابة خطوة على طريق الحد من العنف واستثمار كل الطاقات العلمية والمهنية ذات العلاقة للحد أو (على الأضعف) التقليل من الظواهر غير المرغوبة.