عرَّف البخاري في صحيحه الصحابيَّ فقال: "مَنْ صَحِبَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أو رآه مِنَ المسلمين فهو مِن أصْحَابه". وقال ابن حجر في تعريفه للصحابي: "وأصح ما وقفتُ عليه من ذلك، أن الصحابي مَنْ لقي النبيَّ صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام". وقد اختار واصطفى الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وتلقي الدين عنه قوماً هم أفضل هذه الأمة، فشرَّفهم بصحبته، وخصَّهم بالنظر إليه وسماع حديثه مِن فمه الشريف، وذلك فضل الله يؤتيه مَنْ يشاء والله ذو الفضل العظيم. فصحابة النبي صلى الله عليه هم خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، اصطفاهم الله لتلقي التنزيل، وصحبة النبي الكريم، فكانوا في جميع أمور حياتهم على الصراط المستقيم. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب مُحمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد". وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في تفسيره لقول الله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}(النمل:59): "أصحاب مُحَمّد صلى الله عليه وسلم".
والصحابة رضوان الله عليهم اجتمع لهم تزكية الله تعالى وثناؤه عليهم، ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم لهم. والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة، ومنها:
ـ قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة:100). قال ابن كثير: " أخبر الله العظيم أنه قدْ رضي عنِ السابقين الأولين مِنَ المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويْل مَنْ أبغضهم أو سبّهم، أو أبغض أو سَبَّ بعضهم".
1 ـ وقال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(الفتح:29). قال السعدي: "يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجَلّ الأحوال".
2 ـ وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(الأنفال:74).
3 ـ وقال تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(التحريم:8).
4 ـ عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرْني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) رواه الترمذي. قال ابن هبيرة: "في هذا الحديث دليل على أن خير الناس الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوه، ثم التابعون لهم بإحسان". وفي رواية مُسلم: (خَيْرُ أُمَّتي القَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فيهم (وهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين)، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ..).
5 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سأل رجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني ثم الثالث) رواه مسلم.
6 ـ وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (النجوم أَمَنَةٌ (الأمن والأمان) للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم.
الوعيد الشديد لِمَنْ يؤذي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
مما ينبغي الانتباه إليه أشد الانتباه أن القدْح في الصحابة قدْح في الإسلام نفسه، لأن الإسلام لم يصل إلى مَنْ بعدهم وإلينا إلا بواسطتهم، قال أبو زُرْعة: "وإنما أدَّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُنة، والجرح بهم أوْلى وهم زنادقة". وقال الشيخ ابن عثيمين: "وفي الحقيقة إنَّ سبَّ الصحابة ليس جرحًا في الصحابة رضي الله عنهم فقط، بل هو قَدْح في الصحابة، وفي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شريعة الله". ولذلك كثرت الأحاديث النبوية في الوعيد الشديد فيمن يؤذي أو يسب أو ينتقص الصحابة رضي الله عنهم.
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوَ الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه (نصفه)) رواه مسلم.
ـ وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سَبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الطبراني وحسنه الألباني. قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح": "في هذا الحديث ما يدل على تشديد التحريم لنيل الصحابة بسب أو قَذَع (شتم) أو أذى، ولقد أتى في هذا النطق ما يخبر أن درجاتهم لا تبلغ تقليل، وأن أحدهم لا يقال له قليل، حتى إن أحدنا لو أنفق مثل الأرض ذهبا لما بلغ من جنس الإنفاق ما يكون مقداره مُدَاً واحدا مِن الصحابة أنفقه أحدهم ولا نصف ذلك المُدّ، وهذا إنما ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا في النفقات فيقاس عليه: الصلوات، والصيام، والحج، والجهاد، وسائر العبادات، فإنها في معناه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم) بكاف الخطاب للحاضر المواجه، فإنه خطاب في هذه الصورة لأبي هريرة، فينصرف التحذير منه صلى الله عليه وسلم لسائر الصحابة ممن رآه صلى الله عليه وسلم مِنْ أنْ يسب أفاضل الصحابة الذي تخصصوا بصحابته وكثرة ملازمته، والهجرة معه، والقِدم في الإسلام، هذا يكون أشد في النهي عن ذكر الصحابة إلا بالخير لمن جاء بعدهم، لأنه إذا كان مَنْ شمله اسم الصحابة ولحقته بركتها وحظي بهذا الاسم الكريم لا يبلغ عمله لو أنفق مثل أُحُدٍ مُدَّ أحَدِ القدماء مِنَ الصحابة والفضلاء ولا نصف المُد، فكيف لمن جاء بعدهم!". وقال ابن حجر في "فتح الباري": "فنَهْي بعض مَنْ أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب مَنْ سبقه، يقتضي زجْر مَنْ لم يدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه مِنْ باب الأوْلى". وقال النووي في "شرح صحيح مسلم": "واعلم أن سَبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرام مِن فواحش المحرمات سواء مَنْ لابَس الفتن منهم وغيره، لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون".
وأهْل وعلماء السُنة ـ مِن السلف والخلف ـ يؤكدون في كتبهم وأقوالهم على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون فضائلهم ومآثرهم، مع الدفاع عن أعراضهم وحماية حياضهم، فهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين نقلوا الإسلام إلينا، ومن ذلك:
1- قال الطحاوي في "عقيدة أهل السنة": "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ مِنْ أحد منهم، ونبغض مَنْ يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
2 ـ روى البيهقي عن الشافعي أنه قال: "وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهناهم بما آتاهم من ذلك، ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، هم أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاماً وخاصاً، وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأوْلى بنا مِنْ آرائنا لأنفسنا، والله أعلم".
3 ـ وقال أحمد بن حنبل في كتاب "السنة": "ومِن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين، والكف عن الذي جرى بينهم.. حبهم سنة، والدعاء لهم قُرْبَة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة". وقال: "لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم".
4 ـ وذكر الحميدي في "أصول السنة" أن من السنة: "الترحم على أصحاب مُحَمّد صلى الله عليه وسلم كلهم فإن الله عز وجل قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ}(الحشر:10)، فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم، فمَنْ سبهم أو تنقصهم أو أحدا منهم فليس على السُنة".
5- وقال ابن تيمية في كتابه "العقيدة الواسطية": "ومِن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال: "ويمسكون (أهل السنة) عما شجر من الصحابة، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه، ونقص، وغُيِّرَ عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.. ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم.. ثم القَدْر الذي يُنكر مِن فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم، ومحاسنهم من الإيمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومَنْ نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما مَنَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخَلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة مِن قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم، وأكرمها على الله".
6 ـ وقال الرازي في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل": "فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته، وإقامة دينه، وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سَنّ وشرّع، وحكم وقضى، وندب وأمر، ونهى وحظر وأدب، ووعوه فأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده، بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه، واستنباطهم عنه، فشرفهم الله عز وجل بما منّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز، وسماهم عدول الأمة"..
والصحابة عند أهل السُنة كلهم عدول لتعديل الله تعالى لهم وثنائه عليهم، ومعنى العدالة أنَّهُم عُدولٌ في دينهم وفيما يروون وينقلون مِن الشريعة، وأنهم مُنَزَّهون عن الكذب والوضع، وهذا ما اتفق عليه أئمة الإسلام وعلماء الحديث من أهل السنة ـ سلفا وخلفا ـ. قال ابن كثير: "والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة".
وأنَّ ما حَصَلَ من بعضهم من اجتهاد أو خطأ، فإنَّهُ لا يقدح في عدالتهم ولا يُنْقِصُهَا، لِمُضِيِّ ثناء الله تعالى عليهم مطلقا. قال الذهبي: "فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي، وإن جرى ما جرى..، إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل، وبه ندين الله تعالى". مع العلم أنهم ـ رضوان الله عليهم ـ يتفاوتون في المنزلة وفي المرتبة، وأنَّهُم ليسوا على درجة واحدة، فقد دلت بعض الأحاديث النبوية الصحيحة على تفضيل بعض الصحابة على بعض، فأفضلهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ـ رضي الله عنهم ـ، ثم باقي العشرة المشهود لهم بالجنة، ثم مَن شهد بدراً، ثم أصحاب أحُد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية.
منهج وعقيدة أهل السُنة وسلف هذه الأمة في الصحابة: حبّهم وذكر محاسنهم كلهم أجمعين، والكف عن الذي شجر بينهم. قال البيهقي في "شعب الإيمان": "وإذا ظهر أن حب الصحابة من الإيمان، فحبهم أن يعتقد فضائلهم ويعترف لهم بها ويعرف لكل ذي حق منهم حقه، ولكل ذي عنا في الإسلام عناه، ولكل ذي منزلة عند الرسول صلى الله عليه وسلم منزلته، وينشر محاسنهم، ويدعو بالخير لهم، ويقتدي بما جاء في أبواب الدين عنهم، ولا يتتبع زلاتهم وهفواتهم، ولا يتعمد تهجين أحد منهم ببث ما لا يحسن عنه، ويسكت عما لا يقع ضرورة إلى الخوض فيه فيما كان بينهم. وبالله التوفيق".
وقال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مُسلم": "مِنَ المعلوم الذي لا يُشك فيه: أن الله تعالى اختار أصحاب نبيه لنبيه صلى والله عليه وسلم، ولإقامة دينه، فجميع ما نحن فيه من العلوم والأعمال، والفضائل والأحوال، والمتملكات والأموال، والعز والسلطان، والدين والإيمان، وغير ذلك من النعم التي لا يحصيها لسان، ولا يتسع لتقديرها زمان إنما كان بسببهم. ولما كان ذلك وجب علينا الاعتراف بحقوقهم والشكر لهم على عظيم أياديهم، قيامًا بما أوجبه الله تعالى مِنْ شكر المُنعم، واجتنابًا لما حرمه من كفران حقه، هذا مع ما تحققناه من ثناء الله تعالى عليهم، وتشريفه لهم، ورضاه عنهم".. ومن ثم فالواجب على الأمة الاعتراف لهؤلاء الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا بالفضل، وتعظيمهم وتوقيرهم، والانتصار لهم إذا انتقص منهم ـ أو مِنْ واحدٍ منهم ـ مُنْتَقِص، أو شَكَّكَ في صدقهم أو عدالتهم أحد، مع اجتناب الغلو فيهم، فهم في النهاية بَشر، يصيبون ويخطئون.. فأهل السُنة مع الصحابة وسط بين المُفْرِطِينْ والغالين، فهم يُحِبُّونهُم ويوقرونهم ويذكرونهم بالخير جميعا، ويعرفون فضلهم، ومع ذلك لا يجعلون لهم شيئا مِن خصائص الإلهية، أو يدَّعون عِصْمَتهم..