اختار الله سيدنا لوطا عليه السلام لنبوته ورسالته، وأرسله بدعوة التوحيد إلى قرية تسمى سدوم، وهي من القرى الواقعة بين الحجاز والشام.
أتاهم لوطٌ عليه السلام ليدعوهم إلى الله فوجدهم أقذرَ أمةٍ وجِدت على وجه الأرض، ورآهم من أفجر الناس وأكفرهم، وجدهم مع كفرهم قد ابتدعوا فاحشة شنعاء وفعلة نكراء لم يسبقهم إليها أحد من الأمم، ولا عرف بها قبلهم أحد من البشر.. قادهم إليها نفوس خبيثة، وقلوب قذرة، وفطر منكوسة. فكانوا يأتون الذكران، ويَدَعون ما أحل الله لهم من النسوان، كما قال لهم نبيهم مستغربا وموبخا في آن: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لتأتون الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوم مسرِفُونَ}[الاعراف:80، 81].. وقال: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أنتم قوم عادون}[الشعراء: 165، 166].
دعاهم نبيهم إلى عبادة الله تعالى وتوحيده وطاعة أمره، ونهاهم عن هذه المحرمات والفواحش المنكرات والأفعال المستقبحات.. فما استجابوا لشيء مما أمرهم به ودعاهم إليه.. وإنما تمادوا في ضلالهم، واستمروا على فجورهم وكفرهم.. وما كان جوابهم إلا أن قالوا أخرجوا ءال لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون.
قبائح ورذائل:
وقد كان هؤلاء الأنجاس قد جمعوا مع هذه الفاحشة القبيحة، قبائح وفواحش أخرى:
فكانوا يقطعون السبيل، فيقطعون الطرق على القوافل وعلى المارة فينتهبون أموالهم، ويأخذون الرجال ويكرهونهم إكراها على ارتكاب الفاحشة معهم.
وكانوا يأتون في ناديهم المنكر ـ وهو مكان تجمعهم ـ يفعلون فيه هذه الأفعال المنكرة والأقوال والأعمال المستقذرة.
وبقي لوط يدعوهم ويخوفهم عذاب الله وسطوته، كما حكى الله عنه قوله لهم: (أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرجالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَ)[العنكبوت:29].
فكان ردهم أقبح من فعلهم، وقولهم أعظم من عملهم، (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِين)، فجمعوا بين فساد العقيدة، وسوء الأخلاق، وانتكاس الفطرة، وقبيح الأعمال، وتكذيب الرسول، وطلب العذاب.
فاستغاث لوط بربه، ودعاه أن ينصره على القوم المفسدين.. فاستجاب الله دعوته وأجاب طلبته، وأنزل عليهم عذابه وبأسه وسطوته..
كما حكى الله عنهم في سورة هود عليه السلام: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا في بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ولا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)[هود: 77 ـ 83).
فما عاقب الله أحدا من الكفار بمثل ما عاقب به هذه الطائفة الملعونة وهذه الأمة الدنسة القذرة، فجمع الله عليهم من أنواع العذاب وطرائق العقوبات ما لم يجمعه لأمة قبلهم، فقلع جبريل عليه السلام قراهم من جذورها، ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم ونباح كلابهم، وثغاء ورغاء حيواناتهم، وصراخ أطفالهم ونسائهم، ثم قلبها بهم في الأرض منكوسة كما انتكست فطرهم، وخسف الله بهم، ثم أعقبهم بحجارة من سجيل من النار، مسومة أي معلمة كل حجر يعرف من صاحبه، فأهلكهم أشد الهلاك، وعذبهم أعظم العذاب في الدنيا ثم ما لهم في الآخرة أشد وأبقى.
وقد حذر الله خلقه بأن من سار على نهجهم، ووقع في مثل فعلهم، وقبح عملهم، فإن عذاب الله له قريب وليس ببعيد.
جريمة ملعونة ملعون فاعلها
إن هذه الجريمة المنكرة والفاحشة المستقذرة من أقذر ما يعصى به الله وأوجبِه للعنة الله وعقابه، وإذا كان رسول الله قد لعن من تشبه بالنساء في زي أو لبس أو هيئة، فكيف بمن صار يُفعَل به كما يفعل بهن، ويؤتى كما تؤتى النساء.
إن هذه النفوس قد انتكست فطرتها وفسدت تصوراتها، ولا يرجى منها خير فلذلك عاقبها الله تعالى وقضى بعقوبتها:
روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)[صححه أحمد شاكر والألباني]. وروى ابن ماجه والبزار عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوهما جميعا).
وقد نقل ابن تيمية وابن القيم والماوردي اتفاق الصحابة على قتله، وجمهور الأئمة على ذلك أيضا أنه يقتل، فقال مالك: يقتل حدا، وشدد جدا في هذا. ورأى أبو حنيفة فيمن يفعل ذلك: أن يلقى من أعلى مكان، ويرجم بالحجار كما فعل الله بقوم لوط.
وهذا كله مما يدل على شناعة هذه الخصلة، وقبح هذه الخلة، وأنها لا ينبغي أن يتهاون مع أصحابها.
فمن ابتلي بهذا الخبث فليستتر بستر الله، وليسع في علاج نفسه بأدوية الشرع والطب، وكثرة الدعاء لله، والأخذ بالأسباب.
حضارة القذارة
وقد كانت أوروبا إلى عهد قريب جدا تجرم هذا الفعل القبيح الخبيث، وتعاقب أصحابه وتطاردهم، إلى أن انقلبت فطرهم، وزاد خبثهم، وأغواهم الشيطان فوق غوايتهم، فقبلوا هذا الفحش، ورضوا بهذا المنكر، وجعلوه حقا لمن أراده وضَمَّنوه قوانينهم الوضعية الأرضية التي تخالف جميع الأديان، وجميع الفطر السليمة، والعقول المستقيمة، وصار مما هو مقبول في حضارة القذارة أن يتزوج الرجل الرجل، والمرأة المرأة جهارا نهارا، وبقوة القانون، لا يستطيع أحد أن يمنعهم أو ينكر عليهم.
وأعظم من ذلك أنهم جعلوا ذلك المنكر والفحش من الحريات الشخصية، والحقوق الإنسانية التي ينبغي أن تحفظ لمريديها، وتوفر لطالبيها وراغبيها، ودعموا أصحابها، وشجعوهم وروجوا لهم في مباريات الكرة، والأفلام، والمسلسلات ووسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية.. حتى دخلت على الناس بيوتهم، ورآها الناس في المتاجر وألعاب الأولاد.