عن الأسود بن يزيد رضي الله عنه - وكان من كبار التابعين - قال: سألت عائشة رضي الله عنها: "مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالت: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تعني خدمة أهله - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ"، وفي رواية: "فإذا سمع الأذان خرج" رواه البخاري في صحيحه.
عندما تقرأ هذا الأثر يتبادر إلى الذهن سؤال وجيه: وهل كانت أمُّنا عائشة رضي الله عنها تشكو كثرة العمل ومشقته حتى يعينها النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمها؟
أما كانت حجرتها متقاربة الجدر، صغيرة المساحة، بحيث لم يتجاوز طولها عشرة أذرع، وعرضها سبعة أذرع (خمسة أمتار* ثلاثة أمتار ونصف)، وأمّا العمل فقد كانت تقضي الشهران بتمامها ولا يوقد في بيتها نار لطعام يُصنع -كما ذكرَت ذلك-، فهل ثمّة عمل كبير يحتاج إلى جهد؟ فضلا عن أن يحتاج إلى معونة بحيث يكون النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مشغولاً بمهنة أهله؟
إن الجواب عن هذا التساؤل يتلخص في أن نبيك صلى الله عليه وسلم ما كان يصنع ما يصنع لكثرة الشغل وجهد العمل، ولكن هناك معنىً أعمق، وهو المواساة والإشعار بالمشاركة التامة في الحياة الزوجية، وتحقيق أحد معاني السكن إلى الزوجة {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} (الروم: 21)، ولم يقل: لتسكنوا معها.
إن الأعمال اليسيرة في المنزل كترتيب الفِراش أو التخلُّص من القمامة أو مسح بعض الأتربة أو رعاية الأطفال، تصل إلى قلب الزوجة مشفوعة بمذكرة تفسيرية تضج بمعاني الحب والمودة والرحمة، وتشعر الزوجة بالدنو القريب إلى زوجها، والامتزاج الروحي والعاطفي، كون الرجل في مهنة أهله، وأي عمل وعلى أي صفة يكون رسالة حياة تقول لها: "هويتنا جميعا كما هي حياتنا جميعا"، وإن معاني الالتحام الزوجي تنسجها هذه اللمسات المعبرة، فيكبر في عين زوجته بقدر تواضعه، ويعظم في نفسها بقدر بساطته.
فما أجمل أن تشعر الزوجة أن زوجها لا يكتفي فقط بتقدير جهدها؛ إنما يُساعدها في أداء بعض أعمال المنزل، وما أجمل أن تشعر في كل ذلك بأنك تتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سُنَّته وطريقته، وأنك تأخذ أجرًا كبيرًا من الله جل وعلا على هذه المساعدة.