المعنعن: هو رواية الراوي عن شيخه بصيغة "عن" أو ما في حكمه، أو هو ما إسناده فلان عن فلان، فإذا روى الراوي عن شيخه بكلمة "عن" فهذا يسمى معنعنا؛ لأن صيغ الأداء منها ما يدل على الاتصال كـ"سمعت" و"حدثنا" و"أخبرنا" و"أنبأنا"، ومنها ما يحتمل الاتصال والانقطاع، ومنه صيغة "عن" التي نحن بصدد الحديث عنها.
ويعبر بالإسناد المعنعن أيضا عن الإسناد الذي قال فيه الراوي: قال فلان، أو ذكر فلان، أو نحو ذلك من العبارات؛ والمعنعن له علاقة باتصال السند وانقطاعه، فتارة كلمة "عن" تُحْمَل على الاتصال، وتارة تحمل على الانقطاع، وتارة تكون مما اختلف فيه العلماء هل هي قاضية بالاتصال، أو دالة على الانقطاع؟
أحوال قبول العنعنة وردّها
الحالة التي تقبل فيها: تُقبل العنعنة من الراوي وتُحمل على الاتصال في حال واحدة، وهي: أن يُعْلَم أنه سمع منه، أي أن يُعْلَم أن هذا الراوي قد سمع ذاك الشيخ الذي عنعن عنه، ولم يكن موصوفا بالتدليس، فإذا حدث عنه في بعض الأحاديث بصيغة "عن" فهو قد سمع منه في الجملة، ويثبت هذا السماع، لأنها تحمل على الاتصال، شريطة أن لا يكون هذا الراوي موصوفا بالتدليس.
الحالات التي تردّ فيها: لا تُقبل العنعنة من الراوي وتُحمل على الانقطاع بين الراوي ومن روى عنه في الأحوال التالية:
الأولى: أن لا يكون الراوي معاصرا لمن روى عنه، كقتادة عن أبي بكر رضي الله عنه، فإذا قال قتادة "عن" أبي بكر، فيكون ذلك محمولا على الانقطاع جزما؛ لأن قتادة لم يدرك أبا بكر ولم يعاصره.
الثانية: أن يكون الراوي معاصرا لمن روى عنه -وربما كان في بلده-، ولكن يثبت أنه لم يسمع منه، فالعنعنة هنا تحمل على الانقطاع بلا خلاف، وأما طرق إثبات عدم السماع، فمنها:
- الطريق الأول: أن ينص الرواي نفسه على أنه لم يسمع من فلان شيئا، كما ذكر جميل بن زيد أنه لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنهما شيئا، فإذا جاءنا حديث فيه جميل بن زيد عن ابن عمر، عرفنا أن العنعنة منقطعة؛ لأن جميلا لم يسمع من ابن عمر، وكذلك الحجاج بن أرطأة عن الزهري، فقد ذكر الحجاج أنه لم يسمع من الزهري شيئا، وكذلك أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ذكر أنه لم يسمع من أبيه، فإذا ورد مثل هذا الإسناد وفيه عنعنة فإننا نحكم عليها بالانقطاع.
- الطريق الثاني: أن ينصَّ إمام من الأئمة أو أكثر على أن فلانا لم يسمع من فلان، فهذه محمولة على الانقطاع أيضا، كما ذكر الإمام أحمد وابن المديني وابن معين أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف لم يسمع من أبيه، فإذا جاءنا حديث فيه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، نعرف أن هذه العنعنة منقطعة؛ لأنه ثبت أنه لم يسمع من أبيه.
الثالثة: أن تكون هناك قرينة قوية دالة على أن هذا الراوي لم يسمع من روَى عنه بالعنعنة، وهذه المرتبة دون المرتبة التي قبلها، ومن تلك القرائن الدالة على الانقطاع: أن يكون الراوي معروفا بالرواية بواسطة عن الراوي الذي يروي عنه بالعنعنة، فإذا أسقط هذه الواسطة في إحدى الروايات فإن هذه قرينة دالة على الانقطاع ما بين الراوي ومن روى عنه، ومثالها ما جاء عن الإمام أحمد أنه سئل عن عبد الله بن البهي عن عائشة رضي الله عنها، فقال: ما أراه سمع، يعني: ما أعلمه سمع منها -من عائشة-، إنما يروي عن عروة عن عائشة، فاستدل الإمام أحمد بأن هذا الراوي لم يروِ عن عائشة رضي الله عنها لأنه لم يثبت أنه سمع منها في خبر ما، وكذلك عدم وجود الواسطة المعروفة في بقية الأسانيد، فكونه دائما يروي بواسطة ثم يأتي في رواية أخرى ويحذف هذه الواسطة أو تُحذف هذه الواسطة، مع أنه لا يُعلم له سماع ممن روى عنه، فهذا يدل على الانقطاع.
الرابعة: أن يكون الراوي المعنعِن قد عاصر المعنعن وسمع منه، لكنه موصوف بالتدليس، فإذا حدث بصيغة "عن" فإنها تُحمل على الانقطاع في الجملة، ولكن ليس هذا عاما في جميع المدلسين، لأن بعض المدلسين تحمل عنعنتهم على الاتصال وإن كان مدلسا.
الحالة التي عليها خلاف: كل ما سبق يتفق عليه جميع المحدثين، وأما موضع الخلاف فهو في حال واحد وهو: أن لا يُعْلَم هل لهذا الراوي سماع لمن عاصره، أو ليس له سماع؟ بمعنى لم يثبت أنه سمع، ولم يثبت أنه لم يسمع، ولم يمنع مانع من السماع، ففيها مذهبان مشهوران:
الأول: مذهب جمهور أئمة الحديث؛ أحمد والبخاري وأبي زرعة وعلي بن المديني، يرون أنه لا بد من ثبوت اللقاء أو السماع، فإذا لم يثبت ذلك فجميع ما رواه بالعنعنة مردود؛ ولا يُحكم له بالاتصال لعدم العلم بالسماع.
ومن الجمهور من يشترط: (ثبوت اللقيا)، كالبخاري وابن المديني، ومنهم من يشترط وصفا زائدا: (ثبوت السماع)، فلو جاءنا خبر أن فلان التقى مع فلان، فهذا لا يكفي عند الإمام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم، بل لا بد أن يثبت أنه قد سمع منه حديثا أو أكثر.
الثاني: مذهب بعض أئمة الحديث؛ مسلم وابن كثير وبعض المتأخرين، فإنهم يكتفون بالمعاصرة فقط، فإذا عاصر الراوي راويا آخر، ولم يقم مانع يمنع من السماع، فعندئذ يحكم له بالاتصال وتقبل العنعنة إذا لم يكن الراوي مدلسا.