الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 486 ] سورة التحريم

                                                                                                                                                                                          قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون

                                                                                                                                                                                          روى شريك، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "أوقد على النار ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء كالليل المظلم " خرجه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث أبي هريرة في هذا موقوف أصح، ولا أعلم أحدا رفعه غير يحيى بن أبي كثير عن شريك .

                                                                                                                                                                                          وروى معن، عن مالك ، عن أبي سهيل ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أترونها حمراء كناركم هذه لهي أشد سوادا من القار" خرجه البيهقي ، وخرجه البزار ولفظه: "لهي أشد من دخان ناركم هذه سبعين ضعفا" وروي موقوفا على أبي هريرة وهو أصح، قاله الدارقطني .

                                                                                                                                                                                          وقال الجوزجاني: حدثنا عبيد الله الحنفي، حدثنا فرقد بن الحجاج . سمعت عقبة اليماني يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن نار جهنم أشد حرا من ناركم هذه بتسعة وتسعين جزءا، وهي سوداء مظلمة لا ضوء لها، لهي أشد سوادا من القطران " غريب جدا . [ ص: 487 ] وروى الكديمي عن سهل بن حماد، عن مبارك بن فضالة ، عن ثابت، عن أنس قال: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نارا وقودها الناس والحجارة قال: " أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء لا يضيء لهبها" خرجه البيهقي ، والكديمي ليس بحجة .

                                                                                                                                                                                          وخرج البزار من حديث زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر ناركم هذه فقال: "إنها لجزء من سبعين جزءا من نار جهنم، وما وصلت إليكم - حتى أحسبه قال -: حتى نضحت بالماء مرتين لتضيء لكم، ونار جهنم سوداء مظلمة" .

                                                                                                                                                                                          وفي حديث عدي بن عدي عن عمر مرفوعا ذكر الإيقاد عليها ثلاثة آلاف عام أيضا، وقال: "فهي سوداء مظلمة لا يضئ جمرها ولا لهبها" خرجه ابن أبي الدنيا والطبراني ، وقد سبق إسناده والكلام عليه .

                                                                                                                                                                                          وروى ابن أبي الدنيا من طريق الحكم بن ظهير - وهو ضعيف -، عن عاصم ، عن زر، عن عبد الله وإذا الجحيم سعرت قال: سعرت ألف سنة حتى ابيضت، ثم ألف سنة حتى احمرت، ثم ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة . الحكم بن ظهير ضعيف، والصحيح رواية عاصم عن أبي هريرة كما سبق . وروى الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن سلمان ، قال: النار سوداء مظلمة لا يطفأ جمرها ولا يضيء لهبها، ثم قرأ: وذوقوا عذاب الحريق [ ص: 488 ] خرجه البيهقي من طريق أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية ، عن الأعمش مرفوعا وقال: رفعه ضعيف .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : ضرب الله مثلا للكافرين قال: أو كظلمات في بحر لجي فهو يتقلب في خمس من الظلم: كلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومسيره إلى الظلمات إلى النار .

                                                                                                                                                                                          وقال أيضا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس : إن الله جعل هذه النار - يعني نار الدنيا - نورا وضياء ومتاعا لأهل الأرض، وإن النار الكبرى سوداء مظلمة مثل القير - نعوذ بالله منها .

                                                                                                                                                                                          وعن الضحاك قال: جهنم سوداء وماؤها أسود وشجرها أسود وأهلها سود . وقد دل على سواد أهلها قوله تعالى: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وقوله تعالى: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه الآية . وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن من عصاة الموحدين من يحترق في النار حتى يصير فحما .

                                                                                                                                                                                          * * *

                                                                                                                                                                                          وقد وصف الله الملائكة الذين على النار بالغلظ والشدة قال الله تعالى: عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ ص: 489 ] وروى أبو نعيم بإسناده عن كعب ، قال: إن الخازن من خزان جهنم مسيرة ما بين منكبيه سنة; وإن مع كل واحد منهم لعمود له شعبتان من حديد . يدفع به الدفعة فيكب به في النار سبعمائة ألف .

                                                                                                                                                                                          وروى عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده عن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أن الملك من خزنة جهنم ما بين منكبيه مسيرة خريف، فيضرب الرجل من أهل النار الضربة فيتركه طحينا من لدن قرنه إلى قدمه .

                                                                                                                                                                                          وفي رواية أخرى له قال: بلغنا أن خزنة النار تسعة عشر ما بين منكبي أحدهم مسيرة خريف; وليس في قلوبهم رحمة إنما خلقوا للعذاب .

                                                                                                                                                                                          وروى الجوزجاني بإسناده عن صالح أبي الخليل قال: ليلة أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعث الله إليه نفرا من الرسل فتلقوه بالفرح والبشر . وفي ناحية المسجد مصل يصلي لا يلتفت إليه; فقام إليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا قد رأيت منه البشر والفرح غير صاحب هذه الزاوية" فقالوا: أما إنه قد فرح بك كما فرحنا . ولكنه خازن من خزان جهنم .

                                                                                                                                                                                          وروى بكر بن خنيس، عن عبد الملك الجسري، عن الحسن أن جبريل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن خازنا من خزان جهنم أشرف على أهل الأرض لمات أهل الأرض مما يرون من تشويه خلقه " مرسل ضعيف .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية