الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 148 ] سورة (ص)

                                                                                                                                                                                          قوله تعالى: ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون

                                                                                                                                                                                          خرج الإمام أحمد رحمه الله تعالى من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: "احتبس عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة في صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعا، فثوب بالصلاة وصلى وتجوز في صلاته، فلما سلم قال: "كما أنتم على مصافكم " ثم أقبل إلينا فقال: "إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ . قلت: لا أدري رب، قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ . قلت: لا أدري رب، قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ . قلت: لا أدري رب فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري وتجلى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى قلت: في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات؟ . قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء عند الكريهات، قال: وما الدرجات؟ . قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام . قال: سل؟ . قلت: اللهم إني أسألك إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام، قال: سل؟ قلت: قلت اللهم إني [ ص: 149 ] أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك " وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها حق فادرسوها وتعلموها" وخرجه الترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح، قال: وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا؟ فقال: هذا حديث حسن صحيح .

                                                                                                                                                                                          قلت: وفي إسناده اختلاف، وله طرق متعددة، وفي بعضها زيادة وفي بعضها نقصان، وقد ذكرت عامة أسانيده وبعض ألفاظه المختلفة في كتابي "شرح الترمذي "، وفي بعض ألفاظه عند الإمام أحمد ، والترمذي أيضا: "المشي على الأقدام إلى الجماعات " بدل: "الجمعات " وفيه أيضا عندهما بعد ذكر الكفارات زيادة: "ومن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه "، وفيه أيضا عندهما: " والدرجات إفشاء السلام" بدل: (لين الكلام) وفي بعض رواياته: "فعلمت ما في السماء والأرض، ثم تلا: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " وفي رواية أخرى: "فتجلى لي ما بين السماء والأرض "، وفي رواية: "ما بين المشرق "، وفي بعضها زيادة في الدعاء وهي: "وتتوب علي "، وفي بعضها: "إسباغ الوضوء في السبرات " وفي بعضها: "وقال: يا محمد إذا صليت، فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات " فذكره .

                                                                                                                                                                                          والمقصود هنا شرح الحديث وما يستنبط منه من المعارف والأحكام وغير ذلك . ففي الحديث دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن من عادته تأخير صلاة [ ص: 150 ] الصبح إلى قريب طلوع الشمس، وإنما كانت عادته التغليس بها، وكان أحيانا يسفر بها عند انتشار الضوء على وجه الأرض، وأما تأخيرها إلى قريب طلوع الشمس فلم يكن من عادته، ولهذا اعتذر لهم عنه في هذا الحديث . وقد قيل: إن تأخيرها إلى هذا الإسفار الفاحش لا يجوز لغير عذر، وأنه وقت ضرورة، كتأخير العصر إلى بعد اصفرار الشمس وهو قول القاضي من أصحابنا في بعض كتبه، وقد أومأ إليه الإمام أحمد وقال: هذه صلاة مفرط، إنما الإسفار أن ينتشر الضوء على الأرض .

                                                                                                                                                                                          وفي الحديث دلالة على أن من أخر الصلاة إلى آخر الوقت لعذر أو غيره وخاف خروج الوقت في الصلاة إن طولها أن يخففها حتى يدركها كلها في الوقت .

                                                                                                                                                                                          وأما قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لما طول في صلاة الفجر وقرأ بالبقرة فقيل له: كادت الشمس أن تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يتعمد التأخير إلى طلوع الشمس ولا أن يمدها ويطيلها حتى تطلع الشمس; لأنه دخل فيها بغلس، وأطال القراءة، وربما كان قد استغرق في تلاوته، فلو طلعت الشمس حينئذ لم يضره، لأنه لم يكن متعمدا لذلك، وهذا يدل على أنه كان يرى صحة الصلاة لمن طلعت عليه الشمس وهو في صلاته كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من طلعت عليه الشمس وقد صلى ركعة من الفجر أن يضيف إليها أخرى .

                                                                                                                                                                                          وفي حديث معاذ دليل على أن من رأى رؤيا تسره فإنه يقصها على أصحابه وإخوانه المحبين له، ولا سيما إن تضمنت رؤياه بشارة لهم وتعليما لما [ ص: 151 ] ينفعهم، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر يقول لأصحابه: "من رأى منكم الليلة رؤيا" وفيه أيضا: أن من استثقل نومه في تهجده بالليل حتى رأى رؤيا تسره، فإن في ذلك بشرى له . وفي "مراسيل الحسن ": "إذا نام - العبد وهو ساجد باهى الله الملائكة يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي، جسده في طاعتي وروحه عندي " وفيه دلالة على شرف النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفضيله بتعليمه ما في السماوات والأرض، وتجلي ذلك له مما تختصم فيه الملائكة في السماء وغير ذلك كما أري إبراهيم ملكوت السماوات، وقد ورد في غير حديث مرفوعا، وموقوفا أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطي علم كل شيء خلا مفاتيح الغيب الخمس التي اختص الله عز وجل بعلمها، وهي المذكورة في قوله عز وجل: إن الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير

                                                                                                                                                                                          وأما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه عز وجل بما وصفه به فكل ما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه عز وجل به فهو حق وصدق يجب الإيمان والتصديق به كما وصف الله عز وجل به نفسه، مع نفي التمثيل عنه، ومن أشكل عليه فهم شيء من ذلك واشتبه عليه فليقل كما مدح الله تعالى به الراسخين في العلم وأخبر عنهم أنهم عند المتشابه آمنا به كل من عند ربنا وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن: "وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه " خرجه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما . ولا يتكلف ما لا علم له به، فإنه يخشى عليه من ذلك الهلكة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 152 ] سمع ابن عباس يوما من يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا من هذه الأحاديث، فانتفض رجل استنكارا لذلك فقال ابن عباس : ما فرق هؤلاء يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه " خرجه عبد الرزاق في كتابه عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، كلما سمع المؤمنون شيئا من هذه الكلام قالوا: هذا ما أخبرنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما .

                                                                                                                                                                                          وفيه دلالة على أن الملأ الأعلى وهم الملائكة أو المقربون منهم يختصمون فيما بينهم ويتراجعون القول في الأعمال التي تقرب بني آدم إلى الله عز وجل وتكفر بها عنهم خطاياهم وقد أخبر الله عنهم بأنهم يستغفرون للذين آمنوا ويدعون لهم . وفي الحديث الصحيح: "إن الله إذا أحب عبدا نادى إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء أن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض " .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: إذا مات ابن آدم قال الناس: ما خلف؟ وقالت الملائكة: ما قدم; فالملائكة يسألون عن أعمال بني آدم ولهم اعتناء بذلك واهتمام به، وبقي الكلام على المقصود من الحديث، وهو ذكر الكفارات والدرجات والدعوات، ونعقد لكل واحدة منها فصلا مفردا .

                                                                                                                                                                                          الفصل الأول: في ذكر الكفارات:

                                                                                                                                                                                          وهو إسباغ الوضوء في الكريهات، ونقل الأقدام إلى الجمعات أو الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وسميت هذه كفارات لأنها تكفر الخطايا والسيئات، ولذلك جاء في بعض الروايات: "من فعل ذلك عاش [ ص: 153 ] بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه " وهذه الخصال المذكورة الأغلب عليها تكفير السيئات، ويحصل بها أيضا رفع الدرجات كما في "صحيح مسلم " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط " .

                                                                                                                                                                                          وقد روي هذا المعنى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه متعددة، فهذه ثلاثة أسباب يكفر الله بها الذنوب:

                                                                                                                                                                                          أحدها: الوضوء، وقد دل القرآن على تكفيره الذنوب في قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين إلى قوله: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم فقوله تعالى: (ليطهركم) يشمل طهارة ظاهر البدن بالماء . وطهارة الباطن من الذنوب والخطايا، وإتمام النعمة إنما يحصل بمغفرة الذنوب وتكفيرها كما قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك وقد استنبط هذا المعنى محمد بن كعب القرظي ، ويشهد له الحديث الذي خرجه الترمذي وغيره، عن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يدعو يقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة، فقال له: "أتدري ما تمام النعمة؟ " قال: دعوة دعوت بها أرجو بها الخير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن تمام النعمة: النجاة من النار [ ص: 154 ] ودخول الجنة"، فلا تتم نعمة الله على عبده إلا بتكفير سيئاته .

                                                                                                                                                                                          وقد تكاثرت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتكفير الخطايا بالوضوء كما في "صحيح مسلم" عن عثمان - رضي الله عنه -: أنه توضأ، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة"، وفيه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره " وفيه أيضا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب " وفيه أيضا عن عمرو بن عبسة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما منكم من رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق في نتثر إلا خرجت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرجت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرجت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرجت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرجت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه " .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 155 ] وفي "الموطأ"، و"مسند الإمام أحمد " و"سنن النسائي " وابن ماجه عن الصنابحي عن النبي - صلى الله عليه وسلم "إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنشق خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له " .

                                                                                                                                                                                          وفي "المسند" عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يتوضأ فيغسل يديه ويمضمض فاه ويتوضأ كما أمر إلا حط الله عنه يومئذ ما نطق به فمه، وما مس بيده، وما مشى إليه، حتى إن الخطايا تحادر من أطرافه، ثم هو إذا مشى إلى المسجد فرجل تكتب حسنة، وأخرى تمحو سيئة" .

                                                                                                                                                                                          وفيه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة ثم غسل كفيه، نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة، فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لسانه وشفتيه مع أول قطرة، فإذا غسل وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول قطرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب هو له وكان من كل خطيئة كهيئته يوم ولدته أمه فإذا قام إلى الصلاة رفع الله درجته وإن قعد قعد سالما" .

                                                                                                                                                                                          وفي المعنى أحاديث أخر وفيما ذكرناه كفاية ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 156 ] وقد وردت النصوص أيضا بحصول الثواب على الوضوء وهذا زيادة على تكفير السيئات، ففي "صحيح مسلم " عن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" . وفيه أيضا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء" . وفيه أيضا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء " .

                                                                                                                                                                                          وخرجه البخاري ولفظه:

                                                                                                                                                                                          "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء " .

                                                                                                                                                                                          واعلم أن حديث معاذ بن جبل في المنام إنما فيه ذكر إسباغ الوضوء على الكريهات: وكذا في حديث أبي هريرة المبدوء بذكره في هذا الفصل فههنا أمران:

                                                                                                                                                                                          أحدهما: إسباغ الوضوء، وهو: إتمامه وإبلاغه مواضعه الشرعية كالثوب السابغ المغطي للبدن كله . وفي "مسند البزار " عن عثمان مرفوعا: "من توضأ فأسبغ الوضوء غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وإسناده لا بأس به وخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن عثمان ، وخرج النسائي وابن ماجه من حديث أبي مالك الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان " وخرجه [ ص: 157 ] " مسلم " ولفظه: "الطهور شطر الإيمان " .

                                                                                                                                                                                          وثانيهما: أن يكون إسباغه على الكريهات، والمراد أن يكون على حالة تكره النفس فيها الوضوء وقد فسر بحال نزول المصائب فإن النفس حينئذ تطلب الجزع فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامة الإيمان، كما قال عز وجل: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية