باب معاملات العبيد
العبد مأذون له في التجارة وغيره . الأول : المأذون له ، فيجوز ، كالبيع والشراء بالإجماع . ويستفيد بالإذن في التجارة كل ما يندرج تحت اسمها ، وما كان من لوازمها وتوابعها ، كالنشر والطي ، [ ص: 569 ] وحمل المتاع إلى الحانوت ، والرد بالعيب ، والمخاصمة في العهدة ، ونحوها . ولا يستفيد غير ذلك ، هذا جملة القول فيه . وتفصيله بصور . للسيد أن يأذن لعبده في التجارة وسائر التصرفات
إحداها : ليس للمأذون في أن ينكح ، كما ليس للمأذون في التجارة أن يتجر . النكاح
الثانية : لا يجوز أن على الصحيح ، وله أن يؤجر مال التجارة كعبيدها وثيابها ودوابها على الأصح . يؤجر نفسه
الثالثة : إذا أذن له في التجارة في نوع ، أو شهر ، أو سنة ، لم يتجاوز المأذون .
الرابعة : لو دفع إليه ألفا وقال : اتجر فيه ، فله أن يشتري بعين الألف ، وبقدره في الذمة ، ولا يزيد . ولو قال : اجعله رأس مالك ، وتصرف أو اتجر ، فله أن يشتري بأكثر من الألف .
الخامسة : ليس . فإن أذن له فيه السيد ، جاز ، ثم ينعزل المأذون الثاني بعزل السيد ، سواء انتزعه من يد المأذون الأول أم لا . وهل له أن يوكل عبده في آحاد التصرفات ؟ وجهان . للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة
أصحهما عند الإمام : نعم . والثاني : لا ، وهو مقتضى كلام صاحب " التهذيب " . والغزالي
قلت : وليس له أن ، كالوكيل لا يوكل ، بخلاف المكاتب ؛ لأنه يتصرف لنفسه . والله أعلم . يوكل أجنبيا
السادسة : لا يتخذ دعوة للمجهزين ، ولا يتصدق ، ولا ينفق على نفسه من مال التجارة ؛ لأنه ملك السيد ، ولا يعامل سيده بيعا وشراء .
السابعة : [ ص: 570 ] فيه وجهان . ما كسبه المأذون بالاحتطاب والاصطياد والاتهاب وقبول الوصية والأخذ من المعدن ، هل يضم إلى مال التجارة حتى يتصرف فيه ؟
أصحهما في " التهذيب " : نعم ، لأنها من الأكساب . والثاني : لا ، وبه قطع الفوراني والإمام . والغزالي
الثامنة : لا ينعزل المأذون بالإباق ، بل له التصرف في البلد الذي صار إليه ، إلا إذا خص السيد الإذن بهذا البلد .
قلت : وفي " التتمة " وجه ضعيف : أنه لا يصح تصرفه في الغيبة . والله أعلم .
التاسعة : له أن يأذن في التجارة لمستولدته قطعا . ولو أذن لأمته ثم استولدها ، لم تنعزل على الصحيح .
العاشرة : لو ، لم يصر مأذونا . رأى عبده يبيع ويشتري ، فسكت عنه
الحادية عشرة : لو ، لم يزل ملك سيده عما في يده . فلو تصرف فيه ببيع ، أو هبة ، أو إعتاق بإذن المأذون والغرماء ، جاز ، ويبقى الدين في ذمة العبد . وإن أذن العبد دون الغرماء ، لم يجز . وإن أذنوا دونه ، فوجهان . ركبته الديون
قلت : أصحهما : لا يجوز . وصححه البغوي ; لأن الدين يتعلق بذمة العبد ولم يرض . والله أعلم .
الثانية عشرة : مقبول ، سواء أقر لأبيه أو ابنه ، أو لأجنبي . إقرار المأذون بدين المعاملة
الثالثة عشرة : لا يجوز أن ، ولا بدون ثمن المثل ، ولا يبيع بنسيئة إلا بإذن السيد ، ولا يتمكن من عزل نفسه ، بخلاف الوكيل . يسافر بمال التجارة
قلت : ولو كان لرجلين عبد ، فأذن له أحدهما في التجارة ، لم يصح حتى يأذن الآخر ، كما لو أذن له في النكاح ، لا يصح حتى يأذن الآخر . والله أعلم .
[ ص: 571 ] فرع
قال صاحب " التتمة " : في جواز معاملة من لا يعرف رقه وحريته ، قولان . أظهرهما : الجواز . لأن الأصل والغالب الحرية . والثاني : المنع ; لأن الأصل بقاء الحجر . وقطع بالجواز . ومن عرف رقه ، لم يجز له أن يعامله حتى يعرف إذن السيد . ولا يكفي قول العبد : أنا مأذون ، كما لو زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون ، وإنما يعرف كونه مأذونا بسماع الإذن من السيد ، أو ببينة . فإن شاع في الناس كونه مأذونا ، كفى على الأصح . وإذا علم كونه مأذونا ، فقال : حجر علي السيد ، لم تجز معاملته . فإن قال السيد : لم أحجر عليه ، فوجهان . إمام الحرمين
أصحهما : لا يعامل أيضا ؛ لأنه العاقد ، وهو يقول : العقد باطل . ولو عامل المأذون من يعلم رقه ، ولم يعلم الإذن ، فبان مأذونا ، قال الأئمة : هو كمن باع مال أبيه على أنه حي فبان ميتا ، ومثله قولان حكاهما الحليمي فيما إذا ادعى الوكالة فكذبه ، فعامله ، ثم بان أنه وكيل .
قلت : ولو باع مالا يظنه لنفسه ، فبان مال أبيه وكان ميتا حال العقد ، صح بلا خلاف ، كذا نقله الإمام عن شيخه . والله أعلم .
فرع
لو علم كونه مأذونا فعامله ، ثم امتنع من التسليم إليه حتى يشهد على الإذن ، فله ذلك خوفا من إنكار السيد ، كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق ، ثم امتنع من التسليم حتى يشهد الموكل على الوكالة .
[ ص: 572 ]