فصل
في مسائل تتعلق بالباب .
إحداها : كالمبيع . وإن لم يكن معيبا استبدل ، ولا يفسخ العقد ، سواء خرج معيبا بخشونة أو سواد أو وجدت [ سكته مخالفة ] سكة النقد الذي تناوله العقد ، أو خرج نحاسا ، أو رصاصا . الثمن المعين إذا خرج معيبا ، يرد بالعيب
الثانية : ، فله حالان . تصارفا وتقابضا ، ثم وجد أحدهما بما قبض خللا
أحدهما : أن يرد العقد على معينين فإن خرج أحدهما نحاسا ، بطل العقد ؛ لأنه بان أنه غير ما عقد عليه . وقيل : إنه صحيح ، تغليبا للإشارة . هذا إن كان له قيمة ، فإن لم يكن لم يجئ هذا الوجه الضعيف . وإن خرج بعضه بهذه الصفة ، لم يصح العقد فيه ، وفي الباقي قولا تفريق الصفة . فإن لم يبطل ، فله الخيار . فإن أجاز والجنس مختلف ، بأن تبايعا ذهبا بفضة ، جاء القولان في أن الإجازة بجميع الثمن أم بالقسط ؟ وإن كان الجنس متفقا ، فالإجازة الحصة قطعا ، لامتناع التفاضل . وإن خرج أحدهم خشنا ، فلمن أخذه الخيار ، ولا يجوز الاستبدال وإن خرج بعضه كذلك ، فله الخيار أيضا . وهل له الفسخ في المعيب ، والإجازة في الباقي ؟ فيه قولا التفريق . فإن جوزنا فالإجازة بالحصة .
الحال الثاني : أن يرد على ما في الذمة ، ثم يحضراه ويتقابضا ، فإن خرج أحدهما نحاسا وهما في المجلس ، استبدل . وإن تفرقا ، فالعقد باطل ; لأن المقبوض غير ما عقد عليه . وإن خرج خشنا ، أو أسود ، فإن لم يتفرقا ، فله الخيار بين الرضا به والاستبدال وإن تفرقا ، فهل له الاستبدال ؟ قولان . [ ص: 849 ] أظهرهما : نعم . كالمسلم فيه إذا خرج معيبا ; لأن القبض الأول صحيح ، إذ لو رضي به لجاز . والبدل قائم مقامه ، ويجب . وإن خرج البعض كذلك وقد تفرقا ، فإن جوزنا الاستبدال ، استبدل ، وإلا فله الخيار بين فسخ العقد في الكل والإجازة . وهل له الفسخ في ذلك القدر والإجازة في الباقي ؟ فيه قولا التفريق . ورأس مال السلم ، حكمه حكم عوض الصرف . ولو أخذ البدل قبل التفرق عن مجلس الرد ، أو تبايعا طعاما بطعام ، ثم وجد أحدهما بالمأخوذ عيبا بعد تلفه ، نظر ، وإن ورد العقد في معينين ، واختلف الجنسان ، فهو كبيع العرض بالنقد . وإن كان متفقا ، ففيه الخلاف السابق في مسألة الحلي . وإن ورد على ما في الذمة ولم يتفرقا بعد ، غرم ما تلف عنده ويستبدل . وكذا إن تفرقا ، وجوزنا الاستبدال . ولو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه عنده ، فإن كان معينا أو في الذمة وعين وتفرقا ، ولم نجوز الاستبدال ، سقط من المسلم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة رأس المال . وإن كان في الذمة وهما في المجلس ، غرم التالف واستبدل . وكذا إن كان بعد التفرق وجوزنا الاستبدال . وجد أحد المتصارفين بما أخذه عيبا بعد تلفه
المسألة الثالثة : باع عبدا بألف ، وأخذ بالألف ثوبا ، ثم وجد المشتري بالعبد عيبا ورده ، قال القاضي أبو الطيب : يرجع بالثوب ؛ لأنه إنما تملكه بالثمن . وإذا فسخ البيع سقط الثمن فانفسخ بيع الثوب . وقال الجمهور : يرجع بالألف ; لأن الثوب مملوك بعقد آخر . ولو مات العبد قبل القبض وانفسخ البيع ، قال ابن سريج : يرجع بالألف دون الثوب ; لأن الانفساخ بالتلف يقطع العقد ، ولا يرفعه من أصله ، وهو الأصح ، وفيه وجه آخر .
الرابعة : ، فلا سبيل إلى رد الخمر ، فيأخذ الأرش . فإن تخلل ، فللبائع أن يسترده ولا يدفع الأرش . ولو اشترى ذمي من ذمي خمرا ، ثم أسلما ، وعلم المشتري بالخمر عيبا ، استرد جزءا [ ص: 499 ] من الثمن على سبيل الأرش ، ولا رد . ولو أسلم البائع وحده ، فلا رد أيضا . ولو أسلم المشتري وحده ، فله الرد ، قاله باع عصيرا ، فوجد المشتري به عيبا بعدما صار خمرا ابن سريج ، وعلل بأن المسلم لا يتملك الخمر ، بل نزيل يده عنها .
الخامسة : بعد الفسخ بالعيب ، على المشتري ، ولو هلك في يده ، ضمنه . مؤنة رد المبيع
السادسة : ، فالصحيح : أن القول قول البائع ؛ لأنه غارم ، كما لو اختلفا في الثمن بعد الإقالة . وقيل : يتحالفان وتبقى السلعة في يد المشتري ، وله الأرش على البائع ، قاله اختلفا في الثمن بعد رد المبيع . فقيل له : إذا لم يعرف الثمن ، كيف يعرف الأرش ؟ فقال : أحكم بالأرش من القدر المتفق عليه . ابن أبي هريرة
السابعة : لو على الأظهر . وعلى الثاني : قول المشتري . الثامنة : أوصى إلى رجل ببيع عبده أو ثوبه وشراء جارية بثمنه وإعتاقها ، ففعل الوصي ذلك ، ثم وجد المشتري بالبيع عيبا ، فله رده على الوصي ومطالبته بالثمن ، كما يرد على الوكيل ، ثم الوصي يبيع العبد المردود ، ويدفع الثمن إلى المشتري . ولو فرض الرد بالعيب على الوكيل ، فهل للوكيل بيعه ثانيا ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، كالوصي . وأصحهما : لا ; لأن هذا ملك جديد فاحتاج إلى إذن جديد ، بخلاف الإيصاء ، فإنه تولية وتفويض كلي . ولو وكله في البيع بشرط الخيار للمشتري ، فامتثل ورد المشتري ، فإن قلنا : ملك البائع لم يزل ، فله بيعه ثانيا . وإن قلنا : زال وعاد ، فهو كالرد بالعيب . ثم إذا باعه الوصي ثانيا ، نظر ، إن باعه بمثل الثمن الأول ، فذاك . وإن باعه بأقل ، فهل النقص على الوصي ، أو في ذمة الموصي ؟ وجهان . احتيج إلى الرجوع بالأرش ، فاختلفا في الثمن ، فالقول قول البائع
أصحهما : الأول ، وبه قال ابن الحداد ؛ لأنه إنما أمره بشراء الجارية بثمن العبد ، [ ص: 500 ] لا بالزيادة . وعلى هذا ، لو مات العبد في يده بنفس الرد ، غرم جميع الثمن . ولو باعه بأكثر من الثمن الأول ، فإن كان ذلك لزيادة قيمة أو رغبة راغب ، دفع قدر الثمن إلى المشتري ، والباقي للوارث . وإن لم يكن كذلك فقد بان أن البيع الأول باطل ، للغبن . ويقع عتق الجارية عن الوصي إن اشتراها في الذمة ، وإن اشتراها بعين ثمن العبد ، لم ينفذ الشراء ولا الإعتاق ، وعليه شراء جارية أخرى بهذا الثمن وإعتاقها عن الموصي ، هكذا أطلقه الأصحاب ، ولا بد فيه من تقييد وتأويل ; لأن بيعه بالغبن وتسليمه عن علم بالحال ، خيانة . والأمين ينعزل بالخيانة ، فلا يتمكن من شراء جارية أخرى .
قلت : ليس في كلام الأصحاب أنه باع بالغبن عالما ، فالصورة مفروضة فيمن لم يعلم الغبن ، ولا يحتاج إلى تكلف تصويرها في العالم وأن القاضي جدد له ولاية . وهذه مسائل ألحقتها . لو اشترى سلعة بألف في الذمة ، فقضاه عنه أجنبي متبرعا فردت السلعة بعيب ، لزم البائع رد الألف . وعلى من يرد ؟ وجهان . أحدهما : على الأجنبي ؛ لأنه الدافع . والثاني : على المشتري ؛ لأنه يقدر دخوله في ملكه . فإذا رد المبيع ، رد إليه ما قابله ، وبهذا الوجه قطع صاحب المعاياة ذكره في باب الرهن . قال : ولو خرجت السلعة مستحقة ، رد الألف على الأجنبي قطعا ، لأنا تبينا أن لا ثمن ولا بيع .
قال أصحابنا : إذا انعقد البيع ، لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب : خيار المجلس ، والشرط ، والعيب ، وخلف المشروط المقصود ، والإقالة ، والتحالف ، وهلاك المبيع قبل القبض . قال القفال والصيدلاني ، وآخرون : لو اشترى ثوبا وقبضه وسلم ثمنه ، ثم وجد بالثوب عيبا قديما فرده ، فوجد الثمن معيبا ناقص الصفة بأمر حدث عند البائع - يأخذه ناقصا ولا شيء له بسبب النقص . وفيه احتمال لإمام الحرمين ، ذكره في باب تعجيل الزكاة . والله أعلم .
[ ص: 501 ]