فصل
، وذلك قد يكون لهلاكه ، وقد يكون مع بقائه . وعلى التقدير الثاني ، قد يكون لخروجه عن قبول النقل من شخص إلى شخص ، وربما كان مع قبوله للنقل . وعلى التقدير الثاني ، فربما كان لزوال ملكه ، وربما كان مع بقائه لتعلق حق مانع . الحال الأول والثاني : إذا من موانع الرد أن لا يتمكن المشتري من رد المبيع ، بأن مات العبد ، أو قتل ، أو تلف الثوب ، أو أكل الطعام ، أو خرج عن أن يقبل النقل ، بأن أعتق العبد ، أو استولد الجارية ، أو وقف الضيعة ، ثم علم كونه معيبا ، فقد تعذر الرد ، لفوات المردود ، لكن يرجع على البائع بالأرش ، والأرش جزء من الثمن ، نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة . وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن ؛ لأنه لو بقي كل المبيع عند البائع ، كان مضمونا عليه بالثمن . فإذا احتبس جزءا منه ، كان مضمونا بجزء من الثمن . مثاله : كانت القيمة مائة دون العيب ، وتسعين مع العيب ، فالتفاوت بالعشر ، فيكون الرجوع بعشر الثمن . فإن كان مائتين ، فبعشرين . وإن كان خمسين ، فبخمسة . وأما القيمة المعتبرة ، فالمذهب : أنه تعتبر أقل القيمتين من يوم البيع ويوم القبض ، وبهذا قطع الأكثرون . وقيل : فيها أقوال . أظهرها هذا . والثاني : يوم القبض . والثالث : يوم البيع . وإذا ثبت الأرش ، فلو كان الأرش بعد في ذمة المشتري ، برئ من قدر الأرش . وهل يبرأ بمجرد الاطلاع على العيب ، أم يتوقف على الطلب ؟ وجهان . هلك المبيع في يد المشتري
أصحهما : الثاني ، وإن كان قد وفاه وهو باق في يد البائع ، فهل يتعين لحق المشتري ، أم يجوز للبائع إبداله ؟ وجهان .
أصحهما : الأول ، [ ص: 475 ] ولو كان المبيع باقيا والثمن تالفا ، جاز الرد ، ويأخذ مثله إن كان مثليا ، وقيمته إن كان متقوما أقل ما كانت من يوم البيع إلى يوم القبض ، ويجوز الاستبدال عنه كالقرض ، وخروجه عن ملكه بالبيع ونحوه ، كالتلف . ولو خرج وعاد ، فهل يتعين لأخذ المشتري ، أم للبائع إبداله ؟ وجهان .
أصحهما : أولهما .
وإن كان الثمن باقيا في يده بحاله ، فإن كان معينا في العقد أخذه . وإن كان في الذمة ونقده ، ففي تعيينه لأخذ المشتري ، وجهان . وإن كان ناقصا ، نظر ، إن تلف بعضه ، أخذ الباقي وبدل التالف . وإن كان نقص صفة ، كالشلل ونحوه ، لم يغرم الأرش على الأصح . كما لو زاد زيادة متصلة ، يأخذها مجانا . ولو لم تنقص القيمة بالعيب ، كخروج العبد خصيا ، فلا أرش . ولو اشترى عبدا بشرط العتق ، ثم وجد به عيبا بعدما أعتقه ، نقل عن ابن كج : أنه لا أرش له هنا . ونقل عنه وجهين فيمن اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبا ، قال : وعندي : له الأرش في الصورتين . ابن القطان
الحال الثالث : لو ، فلا رد في الحال . وأما الرجوع بالأرش ، فإن زال بعوض كالهبة بشرط الثواب والبيع ، فقولان . أحدهما : يرجع كما لو مات ، وهذا تخريج زال ملكه عن المبيع ، ثم علم به عيبا ابن سريج . فعلى تخريجه لو ؟ وجهان . والقول الثاني ، وهو المشهور : لا يرجع . ولم لا يرجع ؟ قال أخذ الأرش ثم رد عليه مشتريه بالعيب ، فهل له رده مع الأرش واسترداد الثمن أبو إسحاق وابن الحداد : لأنه استدرك الظلامة . وقال : لأنه ما أيس من الرد ، فربما عاد إليه فرده . وهذا المعنى ، هو الأصح ، وهو منصوص عليه في اختلاف العراقيين . وإن زال بلا عوض ، فعلى تخريج ابن أبي هريرة ابن سريج : يرجع بالأرش . وعلى المشهور ، وجهان ، بناء على المعنيين . إن قلنا بالأول : رجع ؛ لأنه لم يستدرك الظلامة . وإن قلنا بالثاني ، فلا ؛ لأنه ربما [ ص: 476 ] عاد إليه . ومنهم من قطع بعدم الرجوع هنا . وإن عاد الملك إليه بعد زواله ، نظر ، هل زال بعوض ، أم بغيره ؟ فهما ضربان .
[ الضرب ] الأول : أن يزول بعوض ، بأن باعه ، فينظر ، أعاد بطريق الرد بالعيب أم بغيره ؟ فهما قسمان .
[ القسم ] الأول : أن يعود بطريق الرد بالعيب ، فله رده على بائعه ؛ لأنه زال التعذر وبان أنه لم يستدرك الظلامة ، وليس للمشتري الثاني رده على البائع الأول ؛ لأنه لم يملك منه . ولو حدث به عيب في يد المشتري الثاني ، ثم ظهر عيب قديم فعلى تخريج ابن سريج : للمشتري الأول أخذ الأرش من بائعه ، كما لو لم يحدث عيب ، ولا يخفى الحكم بينه وبين المشتري الثاني . وعلى المشهور : ينظر ، إن قبله المشتري الأول مع عيبه الحادث ، خير بائعه ، إن قبله ، فذاك ، وإلا أخذ الأرش منه . وعن : لا يأخذه ، واسترداده رضا بالعيب . وإن لم يقبله وغرم الأرش للثاني ، ففي رجوعه بالأرش على بائعه وجهان . أحدهما : لا يرجع ، وبه قال ابن القطان ابن الحداد ؛ لأنه لو قبله ، ربما قبله منه بائعه ، فكان متبرعا بغرامة الأرش وأصحهما : يرجع ؛ لأنه ربما لا يقبله بائعه ، فيتضرر . وعلى الوجهين : لا يرجع ما لم يغرم للثاني ؛ لأنه ربما لا يطالبه فيبقى مستدركا للظلامة . ولو كانت المسألة بحالها ، وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان عبدا فأعتقه ، ثم ظهر [ العيب ] القديم ، رجع المشتري الثاني بالأرش على المشتري الأول ، والأول بالأرش على بائع بلا خلاف ، لحصول اليأس من الرد ، لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرمه لمشتريه ؟ وجهان بناء على المعنيين . إن عللنا باستدراك الظلامة ، لم يرجع ما لم يغرم ، وإن عللنا بالثاني ، رجع . ويجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني ، هل يرجع هو على بائعه ؟ .
القسم الثاني : أن يعود لا بطريق الرد ، بأن عاد بإرث ، أو هبة ، أو قبول وصية ، أو إقالة ، فهل له رده على بائعه ؟ وجهان لهما مأخذان . أحدهما : البناء على المعنيين السابقين [ ص: 477 ] إن عللنا بالأول ، لم يرد ؛ لأنه استدرك الظلامة ، ولم يبطل ذلك الاستدراك ، بخلاف ما لو رد عليه بالعيب . وإن عللنا بالثاني ، رد ، لزوال التعذر ، كما لو رد عليه بعيب .
والمأخذ الثاني : أن الملك العائد ، هل ينزل منزلة غير الزائل ؟ وإن عاد بطريق الشراء ، ثم ظهر عيب قديم كان في يد البائع الأول ، فإن عللنا بالمعنى الأول ، لم يرد على البائع الأول ، لحصول الاستدراك ، ويرد على الثاني . وإن عللنا بالثاني ، فإن شاء رد على الأول ، وإن شاء على الثاني . وإذا رد على الثاني ، فله أن يرد عليه ، وحينئذ يرد على الأول . ويجيء وجه : أنه لا يرد على الأول ، بناء على أن الزائل العائد كالذي لم يعد . ووجه : أنه لا يرد على الثاني ؛ لأنه لو رد عليه ، لرد هو أيضا عليه .
الضرب الثاني : أن يزول لا بعوض ، فينظر ، إن عاد أيضا لا بعوض ، فجواز الرد مبني على أنه هل يأخذ الأرش لو لم يعد ؟ إن قلنا : لا ، فله الرد . وإن قلنا : يأخذ ، فهل ينحصر الحق فيه ، أم يعود إلى الرد عند القدرة ؟ وجهان . وإن عاد بعوض ، بأن اشتراه ، فإن قلنا : لا يرد في الحالة الأولى ، فكذا هنا ، ويرده على البائع الأخير . وإن قلنا : يرد ، فهنا هل يرد على الأول ، أو على الثاني ، أم يتخير ؟ فيه ثلاثة أوجه .
فرع
، فإن كانا عالمين بالحال ، فلا رد . وإن كان زيد عالما ، فلا رد له ولا لعمرو أيضا ، لزوال ملكه ، ولا أرش له على الصحيح ، لاستدراك الظلامة ، أو لتوقع العود . فإن تلف في يد زيد ، أخذ الأرش على التعليل الثاني . وهكذا الحكم لو باعه لغيره . وإن كان عمرو عالما ، فلا رد له ، ولزيد الرد . وإن كانا جاهلين ، فلزيد . [ ص: 478 ] الرد إن اشتراه بغير جنس ما باعه ، أو بأكثر منه ، ثم لعمرو أن يرد عليه . وإن اشتراه بمثله ، فلا رد لزيد في أحد الوجهين ; لأن عمرا يرده عليه ، فلا فائدة ، وله الرد في أصحهما ؛ لأنه ربما رضي به ، فلم يرد . ولو تلف في يد زيد ثم علم به عيبا قديما ، فحيث يرد لو بقي يرجع بالأرش ، وحيث لا يرد ، لا يرجع . باع زيد عمرا شيئا ، ثم اشتراه منه ، فظهر عيب كان في يد زيد
الحال الرابع : إذا تعلق به حق ، بأن ، فلا رد في الحال وهل له الأرش ؟ إن عللنا باستدراك الظلامة ، فنعم . وإن عللنا بتوقع العود ، فلا . فعلى هذا ، لو تمكن من الرد رده . وإن حصل اليأس أخذ الأرش . وإن أجره ولم نجوز بيع المستأجر ، فهو كالرهن . وإن جوزناه ، فإن رضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الإجارة ، رد عليه ، وإلا تعذر الرد ، وفي الأرش وجهان . ويجريان فيما لو تعذر الرد بإباق أو غصب . ولو عرف العيب بعد تزويج الجارية أو العبد ، ولم يرض البائع بالأخذ ، قطع بعضهم بأن المشتري يأخذ الأرش هنا ؛ لأنه لم يستدرك الظلامة ، والنكاح يراد للدوام ، فاليأس حاصل . واختاره رهنه ، ثم علم العيب الروياني ، والمتولي . ولو عرفه بعد الكتابة ، ففي " التتمة " : أنه كالتزويج . وذكر الماوردي : أنه لا يأخذ الأرش على المعنيين ، بل يصبر ؛ لأنه قد يستدرك الظلامة بالنجوم ، وقد يعود إليه بالعجز ، فيرده . والأصح أنه كالرهن ، وأنه لا يحصل الاستدراك بالنجوم .