فصل
فينظر : إن حدث قبل القبض ، فكمثل . وإن حدث بعده ، فله حالان . أحدهما : أن لا يستند إلى سبب سابق على القبض ، فلا رد به . والثاني : أن يستند ، وفيه صور . إحداها : بيع المرتد صحيح على الصحيح ، كالمريض المشرف على الهلاك . وفي وجه : لا يصح كالجاني . وأما القاتل في المحاربة ، فإن تاب قبل الظفر به ، فبيعه كبيع الجاني ، لسقوط العقوبة المتحتمة . وكذا إن تاب بعد الظفر وقلنا بسقوط العقوبة ، وإلا فثلاث طرق . أصحها : أنه كالمرتد ، والثاني : القطع بأنه لا يصح بيعه ، إذ لا منفعة فيه لاستحقاق قتله ، بخلاف المرتد فإنه قد يسلم . والثالث : أنه كبيع الجاني . فإن صححنا البيع في هذه الصور ، فقتل المرتد أو المحارب أو الجاني جناية توجب القصاص ، نظر ، إن كان ذلك قبل القبض ، انفسخ البيع ، وإن كان بعده ، وكان المشتري جاهلا بحاله ، فوجهان . أحدهما : أنه من ضمان المشتري . وتعلق القتل به كالعيب . فإذا هلك رجع على البائع بالأرش ، وهو ما بين قيمته مستحق القتل وغير مستحقه من الثمن . وأصحهما : أنه من ضمان البائع ، فيرجع المشتري عليه بجميع الثمن ، ويخرج على الوجهين مؤنة تجهيزه من الكفن والدفن وغيرهما . ففي الأول : هي على المشتري . وفي الثاني : على البائع . وإن كان المشتري عالما بالحال عند الشراء ، [ ص: 467 ] أو تبين له بعد الشراء ولم يرد ، فعلى الوجه الأول : لا يرجع بشيء كسائر العيوب . وعلى الثاني : وجهان . أحدهما : يرجع بجميع الثمن . وأصحهما : لا يرجع بشيء ، لدخوله في العقد على بصيرة وإمساكه مع العلم بحاله . العيب ينقسم إلى ما كان موجودا قبل البيع ، فيثبت به الرد ، وإلى ما حدث بعده ،
قلت : قال صاحب " التلخيص " : كل ما جاز بيعه ، فعلى متلفه القيمة ، إلا في مسألة ، وهو العبد المرتد يجوز بيعه ، ولا قيمة على متلفه . قال القفال : هذا صحيح ، لا قيمة على متلفه ؛ لأنه مستحق الإتلاف . قال : وكذا العبد إذا قتل في قطع الطريق ، فقتله رجل ، فلا قيمة عليه ؛ لأنه مستحق القتل . قال : فهذا يجوز بيعه ، ولا قيمة على متلفه ، فهذه صورة ثانية . والله أعلم .
الصورة الثانية : بيع من وجب قطعه بقصاص أو سرقة ، صحيح بلا خلاف . فلو قطع في يد المشتري ، عاد التفصيل المذكور في الصورة السابقة . فإن كان جاهلا بحاله حتى قطع ، فعلى الوجه الأول : ليس له الرد ، لكون القطع من ضمانه ، لكن يرجع على البائع بالأرش ، وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن . وعلى الأصح : له الرد واسترجاع جميع الثمن ، كما لو قطع في يد البائع . فلو تعذر الرد بسبب ، فالنظر في الأرش على هذا الوجه إلى التفاوت بين العبد سليما وأقطع . وإن كان المشتري عالما ، فليس له الرد ولا الأرش .
الثالثة : إذا ، فإن كانت ثيبا ، فله الرد . وإن كانت بكرا ، فنقص الافتضاض من ضمان البائع أو المشتري ؟ فيه الوجهان . إن جعلناه من ضمان البائع ، فللمشتري الرد بكونها مزوجة . فإن تعذر الرد بسبب ، رجع بالأرش ، وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة ومزوجة مفتضة من الثمن . وإن جعلناه من ضمان المشتري ، فلا رد له ، وله الأرش ، وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة وبكرا مزوجة من الثمن . [ ص: 468 ] وإن كان عالما بزواجها ، أو علم ورضي ، فلا رد له . فإن وجد بها عيبا قديما بعدما افتضت في يده ، فله الرد إن جعلناه من ضمان البائع ، وإلا رجع بالأرش ، وهو ما بين قيمتها مزوجة ثيبا سليمة ومثلها معيبة . اشترى مزوجة لم يعلم حالها حتى وطئها الزوج بعد القبض
الرابعة : لو ، فطريقان . اشترى عبدا مريضا ، واستمر مرضه إلى أن مات في يد المشتري
أحدهما : أنه على الخلاف في الصورة السابقة ، وبه قال الحليمي . وأصحهما وأشهرهما : القطع بأنه من ضمان المشتري ; لأن المرض يتزايد ، والردة خصلة واحدة وجدت في يد البائع . فعلى هذا ، إن كان جاهلا ، رجع بالأرش ، وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا . وتوسط صاحب " التهذيب " بين الطريقين ، فقطع فيما إذا لم يكن المرض مخوفا ، بأنه من ضمان المشتري ، وجعل المرض المخوف والجرح الساري على الوجهين .
الثالث من أسباب الظن : . والأصل فيه : الفعل المغرر ، وهي أن يربط أخلاف الناقة ، أو غيرها ، ويترك حلبها يوما فأكثر حتى يجتمع اللبن في ضرعها ، فيظن المشتري غزارة لبنها ، التصرية
[ فيزيد ] في ثمنها . وهذا الفعل حرام ، لما فيه من التدليس ، ويثبت به الخيار للمشتري . وفي خياره ، وجهان .
أصحهما : أنه على الفور . والثاني : يمتد إلى ثلاثة أيام . ولو ، فخياره على الفور على الوجه الأول . وعلى الثاني : يمتد إلى آخر الثلاثة . وهل ابتداؤها من العقد أو من التفرق ؟ فيه الوجهان في خيار الشرط . ولو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها ، فعلى الوجه الثاني : لا خيار ، لامتناع مجاوزة الثلاثة . وعلى الأول : يثبت على الفور قطعا . ولو اشترى عالما بالتصرية ، فله الخيار على الثاني ، للحديث ، ولا خيار على الأول كسائر العيوب . عرف التصرية قبل ثلاثة أيام بإقرار البائع أو ببينة
[ ص: 469 ] فرع .
إن ، ردها ولا شيء عليه . وإن كان بعده ، فإن كان اللبن باقيا ، لم يكلف المشتري رده مع المصراة ; لأن ما حدث بعد البيع ملكه ، وقد اختلط بالمبيع ، وتعذر التمييز . وإذا أمسكه كان كما لو تلف . فإن أراد رده ، فهل يجبر عليه البائع ؟ وجهان . أحدهما : نعم ؛ لأنه أقرب من بدله . وأصحهما : لا ، لذهاب طراوته . ولا خلاف أنه لو حمض ، لم يكلف أخذه . وإن كان تالفا ، فيرد مع المصراة صاعا من تمر . وهل يتعين جنس التمر وقدر الصاع ؟ أما الجنس ، فالأصح : أنه يتعين التمر . فإن أعوز ، قال علم التصرية قبل الحلب الماوردي : رد قيمته بالمدينة . والثاني : لا يتعين . فعلى هذا ، وجهان .
أصحهما : القائم مقامه الأقوات ، كصدقة الفطر . قال الإمام : ولا يتعدى هنا إلى الأقط . وعلى هذا ، وجهان . أحدهما : يتخير بين الأقوات . وأصحهما : الاعتبار بغالب قوت البلد . والوجه الثاني : يقوم مقامه أيضا غير الأقوات . حتى لو عدل إلى مثل اللبن ، أو قيمته عند إعواز المثل ، أجبر البائع على القبول كسائر المتلفات . وهذا كله إذا لم يرض البائع ، فأما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره ، أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه ، فيجوز بلا خلاف ، كذا قاله في " التهذيب " وغيره . وذكر وجهين في جواز إبدال التمر بالبر إذا تراضيا . وأما القدر ، فوجهان . ابن كج
أصحهما : الواجب صاع ، قل اللبن أو كثر ، للحديث . والثاني : يتقدر الواجب بقدر اللبن . وعلى هذا فقد يزيد الواجب على الصاع ، وقد ينقص . ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة ، وقطع بوجوب الصاع إذا نقصت عن النصف ، ومنهم من أطلقه . ومتى قلنا بالثاني ، قال الإمام : تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز ، وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز . فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلا ، أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة .
[ ص: 470 ] فرع
لو ، فعلى الأصح : يردها وصاعا ، ويسترد الصاع الذي هو ثمن . وعلى الثاني : تقوم مصراة وغير مصراة ، ويجب بقدر التفاوت من الصاع . اشترى شاة بصاع تمر ، فوجدها مصراة
فرع
غير المصراة إذا حلب لبنها ، ثم ردها بعيب ، قال في " التهذيب " : رد بدل اللبن كالمصراة . وفي تعليق أبي حامد حكاية عن نصه : أنه لا يرده ؛ لأنه قليل غير معتنى بجمعه ، بخلاف المصراة . ورأى الإمام تخريج ذلك على أن اللبن ، هل يأخذ قسطا من الثمن ، أم لا ؟ والصحيح : الأخذ .
فرع
لو ، أو لشغل عرض ، أو تصرت بنفسها ، ففي ثبوت الخيار وجهان . أحدهما : لا ، وبه قطع لم يقصد البائع التصرية ، لكن ترك الحلب ناسيا لعدم التدليس . وأصحهما عند صاحب " التهذيب " : نعم ، لحصول الضرر . الغزالي
فرع
يعم الحيوانات المأكولة . وفي وجه شاذ : يختص بالنعم . [ ص: 471 ] ولو اشترى أتانا فوجدها مصراة ، فأوجه . الصحيح : أنه يردها ، ولا يرد للبن شيئا ؛ لأنه نجس . والثاني : يردها ويرد بدله ، قاله خيار التصرية الإصطخري ، لذهابه إلى أنه طاهر مشروب . والثالث : لا يردها لحقارة لبنها . ولو اشترى جارية ، فوجدها مصراة ، فأوجه . أصحها : يرد ، ولا يرد بدل اللبن ؛ لأنه لا يعتاض عنه غالبا . والثاني : يرد ، ويرد بدله . والثالث : لا يرد ، بل يأخذ الأرش .
فرع
هذا الخيار غير منوط بالتصرية لذاتها ، بل لما فيها من التلبيس ، فيلتحق بها ما يشاركها فيه . حتى لو . وكذا لو حبس ماء القناة ، أو الرحى ، ثم أرسله عند البيع أو الإجارة ، فظن المشتري كثرته ، ثم تبين له الحال ، فله الخيار ، فله الخيار . ولو حمر وجه الجارية ، أو سود شعرها ، أو جعده ، أو أرسل الزنبور على وجهها ، فظنها المشتري سمينة ، ثم بان خلافه ، أو أكثر علف البهيمة حتى انتفخ بطنها ، فظنها المشتري حاملا ، أو أرسل الزنبور في ضرعها فانتفخ وظنها لبونا ، فلا خيار على الأصح ، لتقصير المشتري . لطخ ثوب العبد بالمداد ، أو ألبسه ثوب الكتاب أو الخبازين ، وخيل كونه كاتبا أو خبازا ، فبان خلافه
فرع
لو بانت التصرية ، لكن در اللبن على الحد الذي أشعرت به التصرية ، واستمر كذلك ، ففي ثبوت الخيار وجهان كالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم ، إلا بعد زواله ، وكالقولين فيما لو عتقت الأمة تحت عبد ولم يعلم عتقها حتى عتق الزوج .
[ ص: 472 ] فرع
، نص أنه يردها ويرد بدل اللبن ، وهو المذهب . وقيل : هو كمن اشترى عبدين فتلف أحدهما ، وأراد رد الآخر ، فيخرج على تفريق الصفقة . رضي بإمساك المصراة ، ثم وجد بها عيبا قديما
فرع
مستنده التغرير ، كالتصرية . وكذا خيار النجش إن أثبتناه . وقد سبق بيانهما في باب المناهي . الخيار في تلقي الركبان
فرع
مجرد الغبن ، لا يثبت الخيار وإن تفاحش . ولو اشترى زجاجة بثمن كثير يتوهمها جوهرة ، فلا خيار له ، ولا نظر إلى ما يلحقه من الغبن ; لأن التقصير منه حيث لم يراجع أهل الخبرة ، ونقل المتولي وجها شاذا : أنه كشراء الغائب ، وتجعل الرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفي الغرر ، كالمعدومة .