فصل
فيما يحصل به الفسخ والإجازة في البيع في زمن الخيار
لا يخفى ما يحصلان به من الألفاظ ، كقول البائع : فسخت البيع ، أو استرجعت المبيع ، أو رددت الثمن . وقال الصيمري : قول البائع في زمن الخيار : لا أبيع حتى يزيد في الثمن ، وقول المشتري : لا أفعل ، فسخ ، وكذا قول المشتري : لا أشتري حتى تنقص لي من الثمن ، وقول البائع : لا أفعل ، وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل ، وطلب المشتري تأجيل الثمن الحال .
فرع
إذا كان ، فسخ على الصحيح ، لإشعاره باختيار الإمساك . وفي وجه : لا يكون فسخا . وفي وجه : إنما يكون [ ص: 457 ] فسخا إذا نوى به الفسخ . فعلى الصحيح ، لو قبل أو باشر فيما دون الفرج ، أو لمس بشهوة ، لا يكون فسخا على الأصح ، وكذا الركوب والاستخدام . وقطع في " التهذيب " بأن الجميع فسخ . للبائع خيار ، فوطؤه المبيعة في زمن الخيار
فرع
، فسخ بلا خلاف . وفي بيعه ، وجهان . إعتاق البائع إن كان له الخيار
أصحهما : أنه فسخ . فعلى هذا ، في صحة البيع المأتي به ، وجهان .
أصحهما : الصحة ، كالعتق . ويجري هذا الخلاف في الإجارة والتزويج ، وكذا في الرهن والهبة إن اتصل بهما القبض ، وسواء وهب لمن لا يتمكن من الرجوع في هبته ، أو يتمكن ، كولده . فإن تجرد الرهن والهبة عن القبض ، فهو كالعرض على البيع ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
فرع
إذا وجهان . علم البائع أن المشتري يطأ الجارية ، وسكت عليه ، هل يكون مجيزا ؟
أصحهما : لا ، كما لو سكت على بيعه وإجارته ، وكما لو سكت على وطء أمته ، لا يسقط به المهر . ولو وطئ بالإذن حصلت الإجازة ، ولم يجب على المشتري مهر ولا قيمة ولد ، وثبت الاستيلاد قطعا . وما سبق في الفصل الماضي مفروض فيما إذا لم يأذن له البائع في الوطء ولا علم به .
[ ص: 458 ] فرع
وطء المشتري ، هل هو إجازة منه ؟ وجهان .
أصحهما : نعم ، وإعتاقه إن كان بإذن البائع نفذ وحصلت الإجازة في الطرفين ، وإلا ففي نفوذه ما سبق . فإن نفذ حصلت الإجازة ، وإلا فوجهان .
أصحهما : الحصول ، لدلالته على اختيار التملك . قال الإمام : ويتجه أن يقال : إن أعتق وهو يعلم عدم نفوذه ، لم يكن إجازة قطعا . وإن باع ، أو وقف ، أو وهب وأقبض بغير إذن البائع لم ينفذ قطعا ، ولكن يكون إجازة على الأصح . ولو باشر هذه التصرفات بإذن البائع ، أو باع للبائع نفسه ، صح على الأصح . قال ابن الصباغ : وعلى الوجهين جميعا ، يلزم البيع ، ويسقط الخيار . وقياس ما سبق : أنا إذا لم ننفذها ، كان سقوط الخيار على وجهين . ولو أذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة ، فطحنها ، كان مجيزا . ومجرد الإذن في هذه التصرفات ، لا يكون إجازة من البائع ، حتى لو رجع قبل التصرف ، كان على خياره ، ذكره الصيدلاني وغيره .
فرع
في العرض على البيع والإذن والتوكيل فيه وجهان وكذا في الرهن والهبة دون القبض . أحدهما : أنها كلها فسخ من جهة البائع ، وإجازة من جهة المشتري . وأصحهما : أنها ليست فسخا ، ولا إجازة . ولو باع المبيع في زمن الخيار بشرط الخيار ، قال الإمام : إن قلنا : لا يزول ملك البائع ، فهو قريب من الهبة الخالية من القبض ، وإن قلنا : يزول ، ففيه احتمال ؛ لأنه أبقى لنفسه مستدركا .
[ ص: 459 ] فرع
، نظر ، إن كان الخيار لهما ، عتقت الجارية ، بناء على ما سبق أن إعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ ، ولا يعتق العبد المشترى وإن جعلنا الملك فيه لمشتريه ، لما فيه من إبطال حق صاحبه على الأصح . وعلى الوجه القائل بنفاذ إعتاق المشترى ، تفريعا على أن الملك للمشتري ، يعتق العبد ، ولا تعتق الجارية . اشترى عبدا بجارية ، ثم أعتقهما معا
وإن كان الخيار لمشتري العبد ، فثلاثة أوجه . أصحها : يعتق العبد ؛ لأنه إجازة . والأصل : استمرار العقد . والثاني : تعتق الجارية ; لأن عتقها فسخ ، فقدم على الإجازة . ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين ، وأجاز الآخر ، قدم الفسخ . والثالث : لا يعتق واحد منهما . وإن كان الخيار لبائع العبد وحده ، فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشتر ، والخيار لصاحبه ، وبالإضافة إلى الجارية بائع . وقد سبق الخلاف في إعتاقهما والذي يفتى به : أنه لا ينفذ العتق في واحد منهما في الحال . فإن فسخ صاحبه ، نفذ في الجارية ، وإلا ففي العبد . ولو كانت المسألة بحالها وأعتقهما مشتري الجارية ، فقس الحكم بما ذكرناه ، وقل : إن كان الخيار لهما ، عتق العبد دون الجارية على الأصح . وإن كان للمعتق وحده ، فعلى الأوجه الثلاثة . في الأول : يعتق العبد ، وفي الثاني : الجارية ، ولا يخفى الثالث . [ ص: 460 ]