فصل
فيه ثلاثة أقوال : أحدها ، للمشتري ، والملك في الثمن للبائع . والثاني : للبائع ، والملك في الثمن للمشتري . والثالث : موقوف . فإن تم البيع ، بان حصول الملك للمشتري بنفس البيع ، وإلا بان أن ملك البائع لم يزل . وكذا يتوقف في الثمن . ملك المبيع في زمن الخيار لمن ؟
وفي موضع الأقوال طرق . أحدها : أنها إذا كان الخيار لهما ، إما بالشرط ، وإما بالمجلس . أما إذا كان لأحدهما ، فهو مالك المبيع ، لنفوذ تصرفه . والثاني : أنه لا خلاف في المسألة ، ولكن إن كان الخيار للبائع ، فالملك له . وإن كان للمشتري ، فله . وإن كان لهما ، فموقوف . وتنزل الأقوال على هذه الأحوال . والثالث : طرد الأقوال في جميع الأحوال ، وهو الأصح عند عامة الأصحاب ، منهم العراقيون ، والحليمي . وأما الأظهر من الأقوال ، فقال الشيخ أبو حامد ومن نحا نحوه : الأظهر : أن الملك للمشتري ، وبه قال الإمام . وقال آخرون ، الأظهر : الوقف ، وبه قال صاحب " التهذيب " ، والأشبه : توسط . ذكره جماعة ، وهو أنه إن كان الخيار للبائع ، فالأظهر : بقاء الملك له . وإن كان للمشتري ، فالأظهر : انتقاله إليه . وإن كان لهما ، فالأظهر : الوقف .
التفريع . لهذه الأقوال فروع كثيرة . منها : ما يذكر في أبوابه . [ ص: 451 ] ومنها : ما يذكر هنا . فمن ذلك ، فإن تم البيع ، فهو للمشتري إن قلنا : الملك له أو موقوف . وإن قلنا : للبائع ، فوجهان . كسب العبد والأمة المبيعين في زمن الخيار
قال الجمهور : الكسب للبائع ; لأن الملك له عند حصوله . وقال : للمشتري . وإن فسخ البيع ، فهو للبائع إن قلنا : الملك له ، أو موقوف . وإن قلنا : للمشتري ، فوجهان . أبو علي الطبري
أصحهما : للمشتري . وقال أبو إسحاق : للبائع . وفي معنى الكسب : اللبن ، والثمرة ، والبيض ، ومهر الجارية إذا وطئت بشبهة . ومنه النتاج ، فإن فرض حدوث الولد وانفصاله في مدة الخيار لامتداد المجلس ، فهو كالكسب . وإن كانت الجارية أو البهيمة حاملا عند البيع ، وولدت في زمن الخيار ، بني على أن الحمل هل يأخذ قسطا من الثمن ؟ وفيه قولان . أحدهما : لا ، كأعضائها . فعلى هذا هو كالكسب بلا فرق . وأظهرهما : نعم ، كما لو بيع بعد الانفصال مع الأم . فعلى هذا ، الحمل مع الأم كعينين بيعتا معا . فإن فسخ البيع فهما للبائع ، وإلا فللمشتري . ومنه العتق ، فإذا أعتق البائع في زمن الخيار المشروط لهما أو للبائع ، نفذ إعتاقه على كل قول . وإن أعتقه المشتري ، فإن قلنا : الملك للبائع ، لم ينفذ إن فسخ البيع ، وكذا إن تم على الأصح . وإن قلنا : موقوف ، فالعتق أيضا موقوف ، فإن تم العقد ، بان نفوذه ، وإلا فلا . وإن قلنا : الملك للمشتري ، ففي العتق وجهان .
أصحهما وهو ظاهر النص : لا ينفذ ، صيانة لحق البائع عن الإبطال . وعن ابن سريج : أنه ينفذ ، لمصادفته الملك . ثم قيل بالنفوذ عنه مطلقا . وقيل : إنه يفرق بين أن يكون موسرا ، فينفذ ، أو معسرا ، فلا ينفذ ، كالمرهون . فإن قلنا : لا ينفذ ، فاختار البائع الإجارة ، ففي الحكم بنفوذه الآن وجهان . وإن قلنا : ينفذ ، فمن [ ص: 452 ] وقت الإجازة أم الإعتاق ؟ وجهان .
أصحهما الأول . وإن قلنا بوجه ابن سريج ، ففي بطلان خيار البائع وجهان . أحدهما : يبطل ، وليس له إلا الثمن . وأصحهما : لا يبطل ، لكن لا يرد العتق ، بل إذا فسخ أخذ منه قيمة العبد ، كنظيره في الرد بالعيب .
هذا كله إذا كان الخيار لهما ، أو للبائع . أما إذا كان للمشتري ، فينفذ إعتاقه على جميع الأقوال ؛ لأنه إما مصادف ملكه وإما إجازة ، وليس فيه إبطال حق الغير . وإن أعتقه البائع ، فإن قلنا : الملك للمشتري ، لم ينفذ ، تم البيع أم فسخ . ويجيء فيما لو فسخ الوجه الناظر إلى المآل . وإن قلنا بالوقف ، لم ينفذ إن تم البيع ، وإلا نفذ . وإن قلنا : إنه للبائع ، فإن اتفق الفسخ فهو نافذ ، وإلا فقد أعتق ملكه الذي تعلق به حق لازم ، فهو كإعتاق الراهن .
ومنه : الوطء ، فإن كان الخيار لهما أو للبائع ، ففي حله للبائع طرق . أحدها : أنا إن جعلنا الملك له ، فهو حلال ، وإلا فوجهان . وجه الحل : أنه يتضمن الفسخ ، وفي ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله . والطريق الثاني : إن لم نجعل الملك له ، فحرام ، وإلا فوجهان . وجه التحريم : ضعف الملك ، و [ الطريق ] الثالث : القطع بالحل مطلقا . والمذهب من هذا كله : الحل ، إن جعلنا الملك له ، والتحريم ، إن لم نجعله له ، ولا مهر عليه بحال . وأما وطء المشتري ، فحرام قطعا ؛ لأنه وإن ملك على قول ، فملك ضعيف ، ولكن لا حد عليه على الأقوال ، لوجود الملك أو شبهته . وهل يلزمه المهر ؟ إن تم البيع ، فلا ، إن قلنا : الملك للمشتري أو موقوف . وإن قلنا : للبائع ، وجب المهر له على الصحيح . وقال أبو إسحاق : لا يجب ، نظرا إلى المآل . وإن فسخ البيع وجب المهر للبائع إن قلنا : الملك له أو موقوف . وإن قلنا : للمشتري ، فلا مهر على الأصح . ولو أولدها فالولد حر نسيب على الأقوال . وهل يثبت الاستيلاد ؟ إن قلنا : الملك للبائع ، فلا . ثم إن تم البيع ، أو ملكها بعد ذلك ، ففي ثبوته حينئذ قولان ، كمن وطئ جارية [ ص: 453 ] غيره بشبهة ثم ملكها . وعلى وجه الناظر إلى المآل ، إذا تم البيع ، نفذ الاستيلاد بلا خلاف . وعلى قول الوقف ، إن تم البيع ، بان ثبوت الاستيلاد ، وإلا فلا . فلو ملكها يوما عاد القولان . وعلى قولنا : الملك للمشتري ، ففي ثبوت الاستيلاد الخلاف المذكور في العتق . فإن لم يثبت في الحال وتم البيع ، بان ثبوته .
ورتب الأئمة الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق ، فقيل : الاستيلاد أولى بالثبوت . وقيل عكسه . وقال الإمام : ولا يبعد القول بالتسوية . والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في المهر . أما إذا كان الخيار للمشتري وحده ، فحكم حل الوطء كما سبق في حل الوطء في طرف البائع إذا كان الخيار لهما ، أو له . وأما البائع ، فيحرم عليه الوطء هنا . فلو وطئ ، فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب القيمة كما ذكرناه في طرف المشتري ، إذا كان الخيار لهما ، أو للبائع .
فرع
إذا ، نظر ، إن كان قبل القبض ، انفسخ العقد . وإن كان بعده وقلنا : الملك للبائع ، انفسخ أيضا ، فيسترد الثمن ، ويغرم للبائع القيمة . وفي القيمة الخلاف المذكور في كيفية غرامة المستعير والمستام . وإن قلنا : الملك للمشتري أو موقوف ، فوجهان أو قولان . أحدهما : ينفسخ أيضا ، لحصول الهلاك قبل استقرار العقد . وأصحهما : لا ينفسخ ، لدخوله في ضمان المشتري بالقبض ، ولا أثر لولاية الفسخ كما في خيار العيب . فإن قلنا بالانفساخ ، فعلى المشتري القيمة . تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار
قال الإمام : وهنا يقطع باعتبار قيمة يوم التلف ; لأن الملك قبل ذلك للمشتري . وإن قلنا بعدم الانفساخ ، فهل ينقطع الخيار ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، كما ينقطع خيار الرد بالعيب بتلف المبيع . وأصحهما : [ ص: 454 ] لا ، كما لا يمتنع التحالف بتلف المبيع ، ويخالف الرد بالعيب ; لأن الضرر ثم يندفع بالأرش ، فإن قلنا بالأول ، استقر العقد ولزم الثمن . وإن قلنا بالثاني ، فإن تم العقد ، لزم الثمن ، وإلا وجبت القيمة على المشتري ، واسترد الثمن . فإن تنازعا في تعيين القيمة ، فالقول قول المشتري . ومن الأصحاب من قطع بعدم الانفساخ وإن قلنا : الملك للبائع . وذكروا تفريعا على أنه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمن الخيار ، فعلى البائع رد الثمن ، وعلى المشتري القيمة . قال الإمام : هذا تخليط ظاهر .
فرع
لو ، إن قلنا : الملك للبائع ، انفسخ البيع كالتلف . وإن قلنا : للمشتري أو موقوف ، نظر ، إن أتلفه أجنبي ، بني على ما لو تلف . إن قلنا : ينفسخ العقد هناك ، فهو كإتلاف الأجنبي المبيع قبل القبض ، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى . وإن قلنا : لا ينفسخ ، وهو الأصح ، فكذا هنا ، وعلى الأجنبي القيمة ، والخيار بحاله . فإن تم البيع ، فهي للمشتري ، وإلا فللبائع . وإن أتلفه المشتري ، استقر الثمن عليه . فإن أتلفه في يد البائع ، وجعلنا إتلافه قبضا ، فهو كما لو تلف في يده . وإن أتلفه البائع في يد المشتري ، ففي " التتمة " : أنه يبنى على أن إتلافه كإتلاف الأجنبي ، أم كالتلف بآفة سماوية ؟ وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى . قبض المشتري المبيع في زمن الخيار وأتلفه متلف قبل انقضائه
[ ص: 455 ] فرع
لو ، فمات أحدهما ، ففي الانفساخ في التالف الخيار السابق . فإن انفسخ جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة . وإن لم ينفسخ ، ففي خياره في الباقي ، إن قلنا : يجوز رد أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار ، وإلا ففي بقاء الخيار في الباقي ، الوجهان . وإذا بقي الخيار فيه ، ففسخ ، رده مع قيمة الهالك . تلف بعض المبيع في زمن الخيار بعد القبض ، بأن اشترى عبدين
فرع
إذا ، فهو كما لو تلف في يد المشتري . حتى إذا فرعنا على أن الملك للبائع ، ينفسخ البيع ، ويسترد الثمن ، ويغرم القيمة ، حكاه الإمام عن قبض المبيع في زمن الخيار ، ثم أودعه عند البائع ، فتلف في يده الصيدلاني . ثم أبدى احتمالا في وجوب القيمة لحصول التلف بعد العود إلى يد المالك .
فرع
. فلو تبرع أحدهما بالتسليم ، لم يبطل خياره ، ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده ، وله استرداد المدفوع . وقيل : ليس له استرداده ، وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه . والأول أصح . لا يجب على البائع تسليم المبيع ، ولا على المشتري تسليم الثمن في زمن الخيار
[ ص: 456 ] فرع
لو ، فإن تم العقد وقلنا : الملك للمشتري أو موقوف ، لم يقع الطلاق . وإن قلنا : للبائع ، وقع . وإن فسخ وقلنا : للبائع أو موقوف ، وقع . وإن قلنا : للمشتري ، فوجهان . وليس له الوطء في زمن الخيار ؛ لأنه لا يدري أيطأ بالملك أو بالزوجية ؟ هذا هو الصحيح المنصوص . وفي وجه : له الوطء . اشترى زوجته بشرط الخيار ، ثم خاطبها بالطلاق في زمن الخيار